الحياة - رغم التفجيرات الانتحارية اليومية، وسطوة الفساد الذي نهب البلد، وجشع القوى السياسية التي تتحصّن بالمحاصصة، وآلام ملايين من المواطنين يكابدون لئلا يصبحوا تحت خط الفقر... رغم كل ذلك، إيران تفتنها «الديموقراطية» العراقية. بعد نوري المالكي، حيدر العبادي ما زال حليفاً، فيما مقتدى الصدر ينافسهما على قلب طهران، بتحريك أنصاره الجاهزين لـ «ثورة كبرى». الهدف رسالة إلى مرشد الجمهورية الإسلامية، فحواها أن العراق الذي تعتبره إيران إحدى محافظاتها، بإمكانه تبديل الوجوه، وأن احتكار قوى شيعية صفة الحليف، ليس مرآة لحجم الأحزاب والتيارات... في الشارع.
إيران المفتونة بـ «الديموقراطية» العراقية، حيث الكتل النيابية والأحزاب والتحالفات تتصرف مع اقتسام الوزارات ومؤسسات الدولة بوصفه حصصاً أبدية، وحيث البلد الغني بالنفط يفتش عن قروض، وبعض مواطنيه يبيع الكلى ليضمن مسكناً، ومصير بلايين الدولارات من خزانة الدولة بات في خبر كان... إيران القلقة لا تتردد مجدداً في الجهر بوصايتها على العراق.
هذه المرة لعلها صُعِقت بهتافات عراقيين في المنطقة الخضراء، تطالبها بالخروج ورفع يدها عن البلد، مندّدة بدور قاسم سليماني. هؤلاء هم أنصار مقتدى الصدر الذي تردّد أن طائرة إيرانية نقلته من النجف إلى قم في زيارة خاصة، بعدما اقتحموا المنطقة الخضراء ومبنى البرلمان، ليُسقِطوا نظام المحاصصة. يمكن الزعيم الشيعي أن يبرر للمسؤولين الإيرانيين تحرّكه بالسعي إلى إنقاذ المركب الذي اعتادت طهران رسم مساره، منذ أطاح الأميركيون صدام حسين، ودمّروا مؤسسات الدولة بحل الجيش.
وليست مفارقة استثنائية أن تدافع واشنطن بشدة عن أداء العبادي، فيما طهران تحذّر من المسّ بالصيغة الحاكمة في بغداد وبـ «الإنجازات» التي حقّقها مركب الحلم الإيراني.
قد يكون لبنان نموذجاً لما آلت إليه أحوال الحكم في بلاد يجرها «الهلال الشيعي» إلى اضطراب شديد، ولا يجلب وهنها إلا تمديداً للوصاية الإيرانية. وصاية هي قاسم مشترك بين العراق ولبنان، ففي كل منهما، ما هو بديهي وشأن عادي في الدول «الطبيعية»، أي تبديل الحكومات، يستغرق الأمر أزمة مديدة، إلى حين تلقّي الوصفة «السحرية» من طهران. وإذا كان شغور قصر الرئاسة اللبنانية يندرج ضمن تحريك «المرشد» خيوط التعطيل، إلى أن ينجلي مصير الصراع في سورية واليمن، فاضطراب بغداد و «طوارئ» المنطقة الخضراء تهدّد بما يقوّض مصالح إيران وهلالها الذي يضمن نفوذها الإقليمي.
بعد ضرب نواب في البرلمان، هدوء بغداد ينذر بعاصفة. بعض العراقيين يشبّه أداء قوى شيعية سياسية بـ «مافيا المحاصصة» التي مهّدت لابتلاع وحش الفساد ثروات البلد، قبل ابتلاع «داعش» الموصل. وإذ يعتبر وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر أن العبادي «في موقف قوي جداً» رغم الاضطرابات، يوجّه مستشار المرشد علي أكبر ولايتي إنذاراً صريحاً بعواقب تحدّي الشارع الصيغة الحاكمة، وينصِّب نفسه ناطقاً باسمها، معتبراً أن العراق «لن يتهاون في مواجهة أي مجموعة تريد تجاوز القانون» و «شعبه سيقف في وجه أي نوع من الفوضى التي تستهدف الأمن». رغم ذلك إيران لا تتدخل في شؤون دول عربية.
الأنكى أن تستهجن منظمة «بدر» هتافات المتظاهرين و «تبديل شعار الشرفاء: الموت لأميركا وإسرائيل بشعارات مناهضة لإيران»... المنظمة لم تسمع بتوافد شركات من الولايات المتحدة تهافتاً على عقود بالبلايين مع طهران.
قد تنتهي زوبعة الصدر هذه المرة، باعتكافه في قم، وليس مفاجئاً أن يتنصّل تياره من هتافات المنطقة الخضراء، ومن طعن إيران المنهمكة في الحرب السورية لإنقاذ النظام. ما لا يريده علي خامنئي حتماً، هو أن يعكّر حلفاؤه في بغداد صيغة الشراكة الصامتة بين واشنطن وطهران، في العراق كما في سورية، وخطط مواكبة الشهور الأخيرة من عهد باراك أوباما.
أليس مدعاة للخجل أن يقاوم أوباما بعناد أي منطقة آمنة تقي بعض السوريين من المذبحة الكبرى، فيما يسكت عما يرتكبه لواء من الجيش الإيراني في سورية؟ ألا يثير الريبة أن يجدّد الرئيس الأميركي احتفاله بتصفية زعيم «القاعدة» الإرهابي، فيما يطلب تعاون إيران «الراعية للإرهاب» في البحث عن تسوية لسورية؟... ويترك لها إدارة لعبة المافيا السياسية في العراق؟
طهران مفتونة بـ «الديموقراطية» في بغداد... كفى العراقيين شرور المافيا و «القاعدة» و «داعش»، والنهب والفساد، والوصاية والبطالة والفقر في بلد يريده الكبار نموذجاً لسورية «الجديدة» بـ «الفيديرالية» الغبية.