في اعتقادي، أن من أهم ما اشتملته حزمة القرارات الملكية الأخيرة هو إنشاء هيئة وطنية للترفيه، فهذا اعتراف رسمي ومجتمعي بأننا عشنا فترة من الكآبة في حياتنا في العقود الماضية، والتي كانت لها إفرازات اجتماعية وسياسية خطرة جداً، وقد لا أذهب بعيداً حينما أقول إن انجذاب بعض شبابنا إلى التنظيمات الإرهابية والانخداع بخطابها هو من حال الفراغ النفسي والاجتماعي التي يعيشونها في مجتمعنا.
بعضنا يقلل من الجانب الترفيهي وعوامل التسلية في حياة الفرد، ولكن الأبحاث النفسية والاجتماعية ربطت بين الصحة النفسية والأمراض العضوية هذا من ناحية، في جانب آخر نحن اليوم نعيش نمط حياة سريعاً يلتهم الفرد، إضافة إلى الضغوط الاجتماعية في المنزل أو في العمل، وكل شعوب الأرض ومن كل الطبقات يمارسون الرياضات المتنوعة في الشوارع والحدائق، ولكن نحن التفتنا إلى هذه الناحية متأخرين، فمفهوم أنسنة مدننا تقرأ عنه فقط على الورق، أما في الواقع فهو غير موجود، وهذه من أبجديات الترفيه لكل أفراد العائلة، فكثير من الأصدقاء عندما يعودون من هجراتهم الصيفية من كل مدن العالم وتسألهم ما هي برامجكم؟ هناك يكون الجواب هو ممارسة المشي لساعات طويلة في حدائق جميلة تتوافر فيها إجراءات السلامة، ونحن نفكر! هل هذا المطلب البسيط بهذه الصعوبة؟
الترفيه أصبح الآن في العالم من حولنا صناعة متقدمة تدر البليونات في بيع منتجاتها، وتشغل الآلاف فيمن يعملون في ذلك القطاع، ونحن في بلاد متنوعة جغرافياً، وبها الصحراء، والشواطئ، والمصايف، والمدن المقدسة، وهناك الآثار المغطاة عن الجمهور، فقط نريد إرادة ورؤية واضحة للاستفادة من هذه الإمكانات بعيداً عن الضغوط والتضييق على الخلق من بعض الأجهزة، والأفراد الذين طوعوا المجتمع لعقود بحسب رؤيتهم الضيقة، وتفسيراتهم المتشددة لبعض الخطاب الديني والاجتماعي، فاختلطت العادات بالدين، وأصبحنا في حال نكوص للماضي الجميل قبل اختطاف المجتمع من هذه الفئة.
أعتقد أن هيئة الترفية المعلن عنها أخيراً عليها مسؤولية كبيرة، فهي تعنى بمفهوم السعادة لدى أطياف المجتمع بفئاته كافة، وعليها أن تكون مباشرة وبعيدة على مفاهيم «ألصقت» بنا! مثل مفهوم الخصوصية الذي نحن فقط ننفرد فيه، ولكن الواقع يقول غير ذلك، فبحسب مركز «ماس» التابع لهيئة السياحة والتراث الوطني سافر نحو 4.5 مليون سائح سعودي مع عوائلهم إلى الخارج عام 2015، وأنفقوا 21.3 بليون دولار وهي نسبة تتزايد في كل عام، مثل هذه الأرقام فاجعة وهدر لاقتصادنا الوطني، وتولد حالاً من عدم الحب والانسجام العاطفي بين المواطن ووطنه.
هذه كارثة وأنا على قناعة تامة بأن الأغلبية من هؤلاء ليسوا يبحثون عن ترفيه سلبي، ولكن غالبيتهم يريدون سينما ومسارح وحدائق ومعارض فنون وموسيقى يقضون أوقاتاً ماتعة مع أسرهم فيها، وهذه المنشآت وما تحويه من أنشطة ترفيهية وثقافية هي ما يجب أن تبدأ به هيئة الترفيه الناشئة.