مشهدان؛ واحد سياسي وآخر أمني عسكري، طَبَعا المشهد السوري – اللبناني نهاية الأسبوع الماضي. الأول زيارة مستشار مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، علي أكبر ولايتي، إلى بيروت ودمشق، والثاني عملية أمنية عسكرية تلت المجازر التي ارتكبت في حلب عبر الهبّة التي قامت بها قوى المعارضة في ريف حلب الجنوبي وأدت إلى سقوط نحو مئة بين قتيل وجريح وأسير للنظام السوري وحلفائه في بلدة خان طومان، بينهم 13 إيرانيا من الحرس الثوري رتبات وعناصر.
في إطلالته من بيروت قال مستشار السيد علي خامنئي، علي أكبر ولايتي، إنّ “إيران وسوريا ستحميان محور المقاومة ومركزها الأساسي في جنوب لبنان”. مستشار زعيم محور الممانعة والمقاومة ربما لم يزل معتقدا أنّ الجمهور الذي يستمع إليه لا يزال مقتنعا بأن السياسة الإيرانية منهمكة بكيفية تحرير فلسطين، بينما يشاهد هؤلاء كيف يجاهد الحرس الثوري والميليشيات الشيعية التابعة له من أجل تخليص سوريا، ولا سيما مدينة حلب، من “الإرهابيين”.
المهم في زيارة ولايتي إلى بيروت ودمشق ولقائه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والرئيس بشار الأسد، أنها تأتي في سياق تأكيد إيران التزامها دعم حزب الله، لا سيما في ظل العقوبات المالية التي طالته ولا تزال، خاصة من قبل وزارة الخزانة الأميركية، في موازاة استمرار الانفتاح بين الإدارة الأميركية والحكومة الإيرانية. كما أنها الزيارة الأولى لمسؤول إيراني بعد الانتكاسة العسكرية لحزب الله في تلة العيس جنوب حلب في شهر أبريل الماضي، وسط تساؤلات متنامية في بيئة حزب الله وشكوك حول الموقف الروسي في الميدان، وتساءل عن طبيعة العلاقة والتحالف بين إيران وروسيا في الشأن السوري.
|
مما لا شك فيه أن أفق الأزمة المفتوح في سوريا يلقي بثقله على حزب الله، الذي شكلت السنوات الخمس الماضية من تدخله في القتال السوري مجالا لاستنزاف من دون مؤشرات على وقفه، وبسبب الخسائر التي طالت نسبة عالية من كوادره ومقاتليه، وتراجع قدراته القتالية مع توسع جغرافيا القتال، اضطرت القيادة الإيرانية إلى الزجّ بمقاتلين إيرانيين في الجبهات السورية، وعـززت من حضـور لواء الفاطميين المكون من اللاجئين الأفغان، في محاولة لسدّ الثغرات التي بات حزب الله عاجزا عن ملئها.
وحين كان ولايتي يجدد دعم الأسد في دمشق ويؤكد على وقوف إيران إلى جانبه، بعد إشارة وزير الخارجية الروسي إلى أن روسيا ليست أولويتها بشار الأسد، شهد ريف حلب الجنوبي انتكاسة جديدة للنظام السوري وحلفائه، حيث سقط نحو مئة عنصر بين قتلى وجرحى وأسرى من قوات النظام، وقتل 13 عنصرا وأصيب العشرات من القوات الإيرانية والميليشيات. الانتكاسة الجديدة والمفاجئة على جبهة جنوب حلب نفسها كانت نتيجة الهجوم المفاجئ لقوات الفتح وسيطرتها على البلدة الإستراتيجية خان طومان وعدد من القرى المحيطة بها حسب مصادر سورية.
وكانت تقارير قد تحدثت عن وصول قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني على رأس وحدة خاصة من الحرس الثوري الإيراني من أجل نجدة جبهة ريف حلب الجنوبي شمال سوريا، وذلك بعد سلسلة من الانتكاسات العسكرية والهزائم التي تعرّضت لها قواته التي تقود العمليات العسكرية في هذه الجبهة، إلى جانب مقاتلين من حزب الله وميليشيات عراقية وأفغانية مدعومة من جيش النظام.
وكانت تقارير سابقة قد تحدّثت عن وصول قاسم سليماني إلى سوريا في الأسبوع الأول من شهر أبريل الماضي بعد الانتكاسة الأولى لقواته في ريف حلب الجنوبي، إثر سيطرة جبهة النصرة وحلفائها على تلة العيس والقرى المجاورة لها وسقوط حوالي 50 قتيلا من عناصر الحرس وحزب الله والميليشيات العراقية، وقد نعى حزب الله 10 من مقاتليه حينها، كما نعى الحرس الثوري عددا من ضباطه ومستشاريه، وكان لافتا بعد ذلك فشل الهجوم المعاكس في استعادة التلة المذكورة ومحيطها على الرغم من تدخل الطيران الحربي بشكل مكثف.
يذكر أن قوات “جيش الفتح” تضم جبهة النصرة وأحرار الشام وفصائل إسلامية أخرى، وفصائل من الجيش الحر، وقد تمكنت هذه الفصائل المقاتلة من السيطرة على عدة مواقع بينها بلدة خان طومان، وقرية الخالدية، وحرش خان طومان، وتلة المقلع وتلة الزيتون ونفق خان طومان، ومعمل البرغل وتلة الدبابات.
كما أكدت المصادر أن عناصر جيش الفتح وفصائل الجيش الحر استخدموا نفس الأسلوب الذي استخدموه في اقتحام بلدة العيس الشهر الماضي حيث قاموا بتصوير العمليات من خلال طائرات استطلاع ساعدت القادة على إدارة المعارك من خلال رصد سير العمليات.
هذه المرة يضاف إلى معاني زيارة ولايتي وإطلالة سليماني تفاقم الأزمة في العراق بما هي أزمة المعادلة السياسية التي رعتها القيادة الإيرانية، إذ لا أحد يستطيع القول إنّ مكونات السلطة في العراق ليست من أصدقاء إيران وحلفائها، بل ليس ثمّة وزير في الحكومـة العراقية معاد لإيران. لذا فالأزمة العراقية اليوم تعكس فشل الإدارة الإيرانية لهذا البلد، الذي أتيح لإيران أن تقدم فيه نموذجًا لما تبشر به من ممانعة. لكنها قدمت أسوأ دولة فاشلة في المنطقة. وثبت أن أكثر المفسدين في السلطة العراقية هم أكثرهم تبعية والتزامًا بتوجيهاتها في الساحة العراقية، لا بل إنّ القدرة على الإفساد والفساد تحتاج من مرتكبهما في بلاد الرافدين أن يكون من موالي النفوذ الإيراني والمؤتمرين به. لذا كانت الأصوات التي ارتفعت عاليًا في المنطقة الخضراء من قبـل الجموع العراقيـة “إيران برا برا..” شعار كشف، إلى حدّ بعيد، دور إيران في حماية منظومة الفساد داخـل الدولة العراقية.
إيران تحاول أن تطمئن حزب الله بأنها لن تتخلى عنه رغم الحوار مع واشنطن، وتحاول أن تطمئن حلفاءها في لبنان وسوريا بأن العراق لم يزل في يد أمينة، وهي تعمل على استعادة بعض ما خسرته من التدخل الروسي في سوريا، وتحاول أن تعوّض الخيبات في العراق وفي اليمن، باندفاعة عسكرية في حلب، شكّلت معركة حلب عنوانها.
هكذا تحاول إيران من خلال دعم الخيار العسكري “طرد الإرهابيين والتكفيريين قريبًا من حلب”، بحسب قول ولايتي. وربما هذا ما جعل الأسد يبلغ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنّه لن يقبل إلاّ بالانتصار الكامل. لكن الرسائل المقابلة في ريف حلب الجنوبي كان لها معنى آخر مفاده أن القيادة الإيرانية والرئيس الأسد يحتاجان إلى أكثر من تعاون روسي لمنع الهزيمة عن جنودهما ومواقعهما في المعادلة السورية التي لم ترتسم بعد.