شاهدت المحتسبة _تحسب أنها تُسحِن صُنعا_ وهي تشن غزوة الإحتساب على سلك سمَّاعة مكبر الصَّوت في أحد المنتزهات العامة حيث كان زوار المنتزه يستمتعون بسماع "الشيلات" _أباحها المُفتين دون غيرها من الأغاني ولست متأكدة إن كانوا تراجعوا فحرَّموها تَبعا لروتين الفتاوى_ وسط الدّهشة الواضحة على وجوه المحيطين بالرغم من مظهرهم المُحافظ، تأتي مُحتسِبة السَّراب وتهجم على السِّلك المغلوب على أمره فتستقوي عليه وتشدُّه مرة تلو الأخرى بعنف يصحبه حماس شديدين وغيبوبة واضحة عن المحيط ومن فيه، ولا تكتفي حتى تتلذَّذ بإنتصارها عليه واستئصاله كالورم من جذوره، ثم يبدو أنها استفاقت من غيبوبتها القصيرة المدى العميقة في تأثيرها وما لبثت أن أكملت خطواتها العسكريَّة ليس عائدة من حيث أتت وإنما إلى الأمام ربّما لإكمال فتوحاتها الإسلامية في سائر المنتزه، بينما سَجَّل المشهد ابتعاد الزوار عنها بهدوء تفاديا لشرِّها.
أعاد المشهد لذاكرتي أكثر من حديث، أحدها ذلك الذي دار بيني وبين مُمثِّل هيئة السِّياحة والتراث الوطني خلال ورشة عمل عن تنويع الإقتصاد ومصادر الدخل السعودي تحت سقف البنك الإسلامي للتنمية.
ذكر أنهم بصدد إصدار تأشيرات زيارة للمملكة بغرض السياحة وأنهم يتوقعون من ذلك مدخولات عالية، وكان ذلك قبل صدور قرار تنظيم عمل الهيئة، فطلبْت المداخلة وسألته إن كان يظن أن البيئة المحلية مُهيَّئة كما هي لإستقبال السُواح الأجانب من مختلف الديانات والترحيب بهم عوضا عن مُحتسِب من العموم يصرخ بهم ويطردهم أو مُحتسب رسمي يمارس هواية الوثب فوقهم وضربهم، وما إن كانوا قد وضعوا في الخطة التعاون مع الجهات المخوَّلة لإصدار قوانين تقنن الإحتساب أو تمنعه.
جاء رده بأن تأشيرة السياحة سوف تُمنح للمتقدمين لها من الذين يدينون بالإسلام فقط، فعلَّقْت بأن هؤلاء يأتون بتأشيرة الحج أو العمرة وتتاح لهم الفرصة لمشاهدة الآثار _ما بقِيَ منها_ وغير ذلك من مشاهد السياحة القليلة والمتواضعة، فما الجديد؟
فأجاب: مُدَّتها أطول، وشاح بنظره!
تبادر لذهني كذلك مُقابلة ولي ولي العهد الخاصَّة بالرؤية لعام 2030 وكيف أنها تمحورت في معظمها حول فتح الباب للإستثمارات الخارجية، وتساءلت بخصوص المستثمر الخارجي يا ترى هل سوف يجدها فكرة جيدة واستثمار ذو جدوى أن يستثمر حيث فوضى الإحتساب تُهدِّد المشروع وتُنفِّر عملاءه إلى الخارج!
مؤشر الخطر لا يتوقف عند احتساب هذه السيدة فحسب، فقد سجَّل الماضي احتساب باليد لا يُحصى ولم يطال منفذيه أي حساب أو عقاب ومن هنا يستمرون في الإعتداء على الناس وتخريب الأملاك بلا رادع، لكن عندما يتم إطلاق استفتاء عبر إحدى القنوات من خلال تويتر عن مدى تأييد المجتمع لما فعلته السيدة و تأتي نسبة المؤيدين 53% من بين أحد عشر ألف مجيب.
وفوق ذلك تتدفَّق للمحتسبة الهدايا والأموال من كل حدب وصوب بما اقترفت يداها فذلك مُبشِّر بالمزيد والمزيد من الإحتساب المماثل مستقبلاً والذي سيطال هذه المرة المستثمرين واستثماراتهم وعملاءهم والسياح.
أتى قرار تنظيم عمل الهيئة لينظم الإحتساب الرسمي وكان خطوة في الإتجاه الصحيح، وبقي تنظيم تهوُّر المحتسبين العشوائيين وبالأصح كَفُّه، وإلى ذلك الحين ربّما يُستحسن وقف التنفيذ.
@tamadoralyami
Alyamit@gmail.com