لست قاسية أمام ما اقترفته أيديهم وما نطقت به ألسنتهم، أمام ما فعلوه بنا وبالعالم، فليس بعد قسوتهم قسوة بين المخلوقات. لحظة.. بل هناك أقسى من ذلك، تجاهل الوباء الذي أتوا به رغم تفشيه ونخره في العظام وارتفاع صراخ سائر الجسد. كالحية يختبؤن وكالحرباء يتلونون وكالنعامة يدسون رؤوسهم، كالحيوانات هم في تحركاتهم دون أن تكون لهذه التحركات شرعيتها كما عند الحيوانات.
هم أبعد ما يكون عن السِّلم والسَّلام، وأقرب الأوادم الى الفُجور والشِّقاق والنِّفاق.
يكرهون كل من خالفهم وحُبُّهم متقلِّب، مؤقت ومشروط بموافقتهم وتفوقهم وأحقيتهم. من مرُّوا منهم من هنا يعلمون أني أتحدث عنهم ويميِّزون مواصفاتهم وقد بدأ دمهم الأسود الحار يغلي في عروقهم الضيقة و بدت نظرات الإنتقام على وجوههم المُكفهرَّة المُشعِرة. وكأنهم أصحاب كهفٍ ناموا يوما أو بعض يوم فَصَحُوا وعلى أعينهم غشاوة حجبت الطِّيب واللِّين، الحب والتسامح، الصبر والصفح، العدل والصِّدق وكل ما تميَّز به زمن الطيبين، زمن ما قبل "الغفوة".
جماعة مغاضبة مضاربة يشتكي منهم القاصي قبل الداني. ضَيَّقت علينا واسع سُبُل الحياة، ثم ما لبثت أن صدَّرت ذلك التضييق للعالم الواسع الذي أخذ أُمَّتنا كافة بأفعال هذه الجماعة الشاذة عن الإنسانية. جمعوا بين التناقضات في أسوأ صورة فرحبوا بتكنولوجيا الغرب وسخروها لتدمير الغرب.
إن حلَّت الكوارث الطبيعية بمن يخالفهم قالوا سخط وعذاب، وإن حلَّت بهم وجماعتهم قالوا بلا خجل ابتلاء وامتحان. إن مات من كان منهم وعلى نهجهم تباكوا وهم ينادون بذكر محاسن الموتى، وإن مات من لهم معه خصومة فجروا ونبشوا عن ما قد يجدونه من مساويء وقالوا أخذ عزيز منتقم. كانوا في مرحلة ما يُكفِّرون المؤمنين علنا يمنة ويسرة ويحللون الدماء، والآن يضمرون كل ذلك مجبرين لا مقتنعين ويتشفّون بموت ومرض المُخالف، وذلك أضعف إيمانهم.
وكأن تلك الخصائص لم تكفهم بشاعةً تأتي الطّائفية والعنصرية لتنضح منهم وهم يعلمون ويتصنعون عكس ذلك وتفضحهم المواقف. كنت قد شَكَرْت في حلقة مسلسل "سيلفي" الرمضاني عن الطائفية ليهاجمني أحد هؤلاء قائلاً بأن المسلسل يسيء للدين _وقد اختصروا الدين في أشخاصهم_ وأننا ليس بيننا مثل ذلك، لترد عليه أخرى: مالذي تتوقعه من رافضية نجسة؟!
(تقصدني)، فأرد: لكنني سُنِّية أو على ذلك نشأت مع احترامي لأخواني الشيعة، وكانت ردة الفعل كما توقعتها لا اعتذار ولا تراجع ولا ندم ولا يحزنون، بل اكتفت كديدن جماعتها بحذف ردودها المسيئة وكأن شيئا لم يكن، واستمرت تغرد (والأصح تنهق) بأشنع التغريدات الطائفية!
لن يجدي الإنكار و التدليس الذي انتهجناه زمانا فتفاقمت الأزمة أمام أعيننا. لم يعد يجدي تلميع صورتنا في الخارج فالعالم أصبح على اتساعه صغيراً في ترابطه وحال الداخل في أي دولة ينضح لخارجها. أصبح الداخل يئن والخارج يشتكي تارة ويهدد تارة، تساقطت الدول حولنا لأنها جاملت الخارج على حساب إصلاح الداخل، وثبتت تركيا ولنا فيها عِبرة. أصبحنا أضعف من الداخل ومن الخارج، أما آن الأوان؟! ماذا ننتظر؟ أين الخطة؟ أين التحرك؟ أين التحول؟ يؤلمني حال وطني..
تؤلمني نظرة الإنسان الآخر لإنساننا ولا ألومه فأنا أراه أيضا.. تؤلمني نظرة العالم لنا ولا أكابر مثل الكثير فألوم المؤامرة في كل شاردة وواردة بل أعترف بوجود الخلل إن وُجد، ولا أدَّعي عدم الإكترات برأي الخارج، شئنا أم أبينا نحن جزء لا يتجزأ من عالم واسع يتعدى حدودنا ونتعامل معه ونستخدم أراضيه سياحة وعلاج ودراسة، لا أكابر.. يهمنِّي أن يستقبلنا العالم بحب و ثِقة واحترام لا بالتَّخوين والتَّفتيش ونظرة التوجُّس والإزدراء، وأحلم بيوم يُضرب بإنساننا المثل في التحضر والسَّلام و بِوَطَنِي المثل في المُخرَجات. يؤلمني تجاهل الوباء ولا أفهم وعدم الفهم قاسٍ.
نحن يا سادة نحتاج ألف "سيلفي" وأبعد من مجرد مسلسل نحتاج الى تحوّل منهجي ومنبري وقضائي، نحتاج تحوُّل وطني اجتماعي لإستئصال هذا الفكر الضال الكريه، لبتر الكره الذي كرِّهنا في عيشتنا وكرَّه العالم فينا، نحتاج صحوة جديدة من "الغفوة"، صحوة لا يصحبها غشاوة على الأبصار وعمى البصيرة ولا تُعطِّلها المجاملات، نحتاج لأن نؤنسن تلك الضِّباع أو أن ننتشل حاضرنا من أيديهم ونحمي فطرة الأجيال الناشئة ونرتقي بمستقبلنا.
@tamadoralyami
Alyamit@gmail.com