كثيرا ما تنعت العلمانية في العالم العربي وفي الدول الاسلامية على انها نوع من الكفر والالحاد، غير انها تعتبر في العالم الغربي والمسيحي عموما مقوما وخطا أحمر لا يمكن المساس به. وهي المفاهيم التي رسخت في الاذهان أن العلمانية هي محصلة تجربة غربية خاصة ، وهي ما أوصلت اوروبا لما هي عليه من تفتح وتقدم و بأنها ما ينقص العالم العربي والاسلامي للحاق باوروبا.
ما سبق ذكره هي فرضيات و إستنتاجات يطرحها الكاتب السعودي خالد الدخيل في مقال له نشره موقع قنطرة، غير ان الهدف من طرح هذه الفرضيات والاستنتاجات بالنسبة للدخيل هو التأكيد على ان العلمانية وان كانت ممارسة وتقليدا سياسيا واجتماعيا معروفا في العالم الغربي والاوروبي إلا انها تجربة انسانية موجودة في أنحاء عدة من العالم ومنه العالم العربي والاسلامي المعاصر وإن بأشكال وممارسات مختلفة، وبأن تجريم او تحريم العلمانية وفصل الدين عن الدولة أو السياسة في العالم العربي هو نتاج لتحليل وقراءة دينية، وليس تحليلاً علمياً هو أقرب لان يكون تحيزا ثقافيا وأخلاقيا ضد ثقافة وقيم أخلاقية مغايرة.
ويشير خالد الدخيل في ذات السياق بأن فهم النص الديني لا يجب أن يكون منغلقاً على قراءة واحدة وبأنه يحتمل أكثر من قراءاة بما أن العالم الغربي الذي يستميت اليوم في الدفاع عن العلمانية من منظور سياسي وقراءة دينية كان بالامس يروج لتحالف الكنيسة والملك على انه تجسيد للارادة الالاهية.
إلى ذلك يشير الدخيل الى ان العلمانية وفصل الدين عن الدولة مفهوم وممارسة موجودة في العالم العربي والاسلامي وبان الحكم على نجاحها قد يتطلب بعض الوقت والتأمل ذلك ان تركيا التي تعيش تحت حكم حزب إسلامي (العدالة والتنمية) منذ أكثر من عقد من الزمن تقبلت العلمانية، وباتت مهيأة بغالبيتها الإسلامية للتعايش معها.
و لعل ما يثير الإنتباه هو أن هذا الحزب على ما يبدو لا يرى أن هناك أي تناقض بين الإسلام والعلمانية، بل يرى إمكانية تجسير الهوة المفهومية بينهما نتيجة ممكنة، رغم أن العلمانية في تركيا فرضها أتاتورك بالقوة والإكراه، بل انها على حد وصفه علمانية متطرفة تختلف في تطرفها عن العلمانية في الولايات المتحدة الأميركية، على سبيل المثال.
وفي نفس الطريق تسير تونس وإن بأساليب ومفاهيم مختلفة حيث يؤكد الأمين العام لحركة «النهضة» التونسية راشد الغنوشي أنه لم يكن هناك مفر بعد الثورة منتحالف بين العلمانيين والإسلاميين كأساس للحكم الجديد في تونس.
غير ان هذه التجربة التونسية مازالت في بداياتها الأولى، ولا بد من الانتظار مدة زمنية معقولة لرؤية مدى قدرة هذه المعادلة الجديدة على الصمود، وتحديداً مدى صدقية والتزام حركة النهضة بمشروعية وضرورة هذه المعادلة.