بالعودة لسنة 2009 حينما كان هناك استقرار نسبيا في أغلب الدول العربية، شاركت جميعها باستثناء الصومال في معرض السياحة العالمي، يومها قال رايموند هوش مدير إدارة المعرض أن عدد العارضين من دول منطقة الشرق الأوسط زاد على 700 عارض، لاسيما من مصر ودول الخليج، وأضاف هوش يومها بأن هناك صعوبة تواجه الإدارة في تلبية طلب العارضين بسبب مساحات العرض. تقول شبكة دويتش فيله الألمانية في تقرير أعدته عن السياحة العربية في ظل الأوضاع الراهنة بعنوان " أي مستقبل للسياحة العربية مع أزمة الثقة؟" أن الحضور العربي الكثيف عكس الازدهار الذي شهده القطاعي السياحي في غالبية الدول العربية وفي مقدمتها مصر وتونس والمغرب ولبنان وسوريا والأردن والإمارات، إذ تراوحت معدلات النمو السياحي السنوي فيها بين 5 و 11 بالمائة لتكون من بين المعدلات الأعلى على مستوى العالم. كما عكس التواجد في برلين الآمال التي علقها العرب على السياحة لدرجة أن العديد من صناع القرار السياحي العربي كرروا يومها في ندوات المعرض مقولة أن " السياحة هي نفط العرب في القرن الحادي والعشرين". لكننا لسنا في 2009، إذ تبدو السياحة العربية، هذه الأيام، في وضع لا تحسد عليه، فباستثناء المغرب والإمارات وبعض الوجهات السياحة المصرية على البحر الأحمر، شهدت هذه السياحة منذ اندلاع اضطرابات ما عرف بالـ"الربيع العربي" عام 2011 تراجعا كبيرا إلى دراماتيكي. وقد تأثر أولا، بحسب التقرير، دول الربيع العربي، إذ تراجعت معدلات تدفق السياح في كل من تونس مهد الربيع العربي، ومصر التي التقطت الشرارة منها، إلى نسبة تتراوح بين 50 إلى 70 بالمائة، في معظم الوجهات السياحية خلال عامي 2012 و 2013. أما في سوريا واليمن فالوضع أسوأ من ذلك بكثير، فكلاهما يشهدان مواجهات مسلحة واسعة، لاسيما سوريا التي دخلت في نفق الحرب الأهلية دون ظهور بارقة أمل للخروج منه، فأصيبت السياحة الخارجية بشلل شبه تام. أما في الأردن ولبنان فتأثرت السياحة سلبيا جدا بالأزمة السورية على اعتبار أن القسم الأكبر من المجموعات السياحية الأجنبية كانت تزور البلدان الثلاثة كوجهة سياحية واحدة. وعلى العكس من ذلك حافظت السياحة المغربية على مستواها، فخلال العام الماضي على سبيل المثال بلغ عدد السياح الذين زاروا المغرب نحو 10.3 مليون سائح بزيادة نحو 2.4 بالمائة مقارنة بعام 2013 ، حسب وزير السياحة المغربي لحسن حداد. ونمت السياحة الألمانية إلى المغرب بنسبة 7 بالمائة خلال العام الماضي 2014. أما دولة الإمارات العربية المتحدة التي تشكل الاستثناء حاليا فإن سياحتها مستمرة بالازدهار على صعيدي الاستثمار وقدوم السياح الأجانب لاسيما إلى دبي والشارقة. وتشير المعطيات المتوفرة إلى أن السياحة الإماراتية نمت بنسبة 4 بالمائة خلال العام الماضي 2014. ووفقا لمؤسسة "بزنس مونيتور انترناشيونال" فإن هذا النمو سيتراوح بين 7.5 وحتى 8.5 بالمائة خلال السنوات الأربع القادمة. بالعودة إلى معرض برلين لهذا العام الذي أقيم في الفترة نت 4 وحتى 8 مارس، وبرغم كل ما تقدم، فكان هناك مشاركة عربية بشكل قوي وبحضور غالبية دولهم رغم الصراعات المسلحة وموجات العنف والتطرف، التي تضرب أطنابها في العديد من الدول العربية لاسيما في سوريا وليبيا واليمن والعراق. وبرز الحضور العربي بمشاركة مصر والمغرب والإمارات وتونس بعروض جذابة ومتنوعة تشمل السياحة الثقافية وسياحة الشواطئ والصحارى. وهذا يعني، بحسب التقرير، أن الدول العربية لازالت تدرك أهمية السياحة وبمساهمتها مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي لعدد من هذه الدول تراوحت بين 6 إلى أكثر من 12 بالمائة عام 2010. كما يعكس أيضا زيادة الآمال بعودة انتعاش القطاع السياحي، رغم المخاطر الأمنية المتزايدة في الكثير منها، واستمرار العديد من الدول الغربية بتحذير مواطنيها من السفر إلى العديد من البلدان العربية أو مناطق كثيرة فيها بسبب هذه المخاطر. ويشير التقرير إلى طبيعة السياحة، لاسيما الأجنبية منها، التي تتسم بالحساسية للغاية إزاء المخاطر الأمنية وغياب التسامح فإن انتعاشها بالشكل المطلوب في هذه الدول باستثناء حالات قليلة سيبقى أملا قد يطول أمده. مما يثير التساؤل حول مدى تحسن مستوى أشغال المؤسسات السياحة التي تعاني من قلة السياح لاسيما في مصر وتونس؟ بلميهوب نور الدين مدير عام الديوان الوطني للسياحة في الجزائر يرى بأنه "من الأفضل في ظل الظروف الحالية التركيز على السياحة الداخلية وسياحة الأعمال من خلال عروض مناسبة للدخل والأذواق." كلام بلميهوب نور الدين الذي يعبر عن سياسة الجزائر في مجال السياحة يبدو في غاية الأهمية لدول أخرى ركزت على السياحة الخارجية إذا أخذنا بعين الاعتبار أن السياحة الداخلية في عدد كبير من الدول التي تعتبر سياحية بالدرجة الأولى تشكل 70 إلى 80 بالمائة من دخل السياحة عموما. أما في الدول العربية عموما فإن هذه النسبة ما تزال متواضعة وهي دول الـ 50 بالمائة في معظمها. وإضافة إلى السياحة الداخلية فإن تشجيع سياحة المغتربين يمكن أن تكون عامل دعم هام للسياحة العربية في زمن الأزمات، لأن الملايين من هؤلاء يتوجهون سنويا إلى بلدانهم الأصلية مثل المغرب وتونس والجزائر ولبنان وسوريا لزيارة عائلاتهم وأقاربهم رغم الأزمات والمخاطر التي تواجهها.