الفن كائن عظيم وأداة ملهمة لاختراق الوجدان. الفن في جوهره تحريضي، يحرك المياه الراكدة ويثير الاسئلة المحرجة ويوقظ الكون والمجتمع من حالة السبات التي تسيطر عليه، تمهيدا لتغييره نحو الافضل.
لايمكن أن نتخيل فنا حقيقيا يرضى بالركود. والفنان كإمتداد لحقائق الفن كائن رافض، مهمته تصدير القلق الى اكبر قطاع ممكن من الناس.
ويأتي قلق البحث عن الافضل، والعمل على حقن الناس بالرغبة في التغيير المستمر، أولوية عظمى لدى الفنان الحقيقي .
لوحة (الجيران ) التي قدمت على مسرح دار الأوبرا الكويتية في حفل استقبال الملك سلمان، كانت تتوسل الفن الحقيقي ، وتتخذ من الوعي والإيمان بحقائقه سبيلا نحو الخلاص من واقعنا الجريح، وتتعلق بأستار الفن، وتنوس في فضاءاته الرحبة، لتحلق بالامال في سماء الخليج، ولتضع رسالة عظيمة للقادة، والشعوب في آن واحد.
من خلال اللوحة التي لم تتجاوز دقائق معدودة ،استطاع خلف الحربي، وايقونات الفن الخليجي إبراهيم الصلال وناصر القصبي وسعادالعبدالله وحبيب الحبيب، تجسيد طرف من الواقع، وتضمينها مخاوف وآمال المواطن الخليجي بجرأة عالية وبساطة وعمق.
نقلوها من وسوساتنا، من أحاديث العابرة ومن مواقع التواصل والمقاهي والديوانيات، ليضعوها على طاولة القادة مغلفة بصدق الانتماء والرغبة العارمة التي تسكننا في بزوغ فجر جديد قوامه تشكيل كيان خليجي قوي ينأى عن السقوط في مظان الخلافات، والطائفية البغيضة، ونقلوا طموحات الفرد الخليجي بصدق ووضوح دون مواربة .
وكم يغدو الفن عظيما حين يضطلع بدوره في تجسيد آمال الشعوب، وحين يغرق في تخيل عذاباتهم، واستشراف آفاق مستقبلهم بنبوءاته التي لاتخيب.
ولأن الكويت عبقرية وطليعية في إيمانها بشروط الفن وعمق تأثيره ووظيفته وممارسته، فلم يكن مستغربا أن تبني الفن، وأن يجعل منه مثقفوها وقيادتها توليفة بائعة بدت كأكليل حب.
مادته تم عجنها بماء المودة والصدق بعمق آسر، وبساطة ظاهرة وأخرجته للملأ على طبق من فرح ممتد أشجى الخليج وأيقظ إحساسه، وأخذ بيده ليطل على شرفة الغد المسيجة بآمال الشعوب.
الكويت رسخت ماوعيناه عنها فهي أحد أئمة الفنون ورائدة في توظيفه لإيصال رسائل مهمة وملهمة.
حيث احتفت بالفن السعودي وتنوعه المنبثق عن تنوع السعودية ملمحة إلى الإرث الحضاري والتنوع الغني الذي تمتلكه بلادنا، وأفصحت عن حب جارف على كل المستويات يجمعنا بهم فيما ( الجيران ) انتقدت الواقع بحدة، وأسقطت الفردي على الواقع الخليجي العام، وعقلنت المستقبل، وقربت صورته في ظل الكيان الذي لن يتحقق إلى برؤية واضحة تتحلق اليوم، وفضحت خطورة المعاش دون أن تجرح.
وهكذا هو الفن الحقيقي ، شجاع لا يخدش الحياء، ويستحي من الله، جريء لا يتورع عن ذكر كل شيء دون مواربة.
أبهجتنا الكويت بما قدمته من ضياء وفرح وغناء وكرم ضيافة وحسن وفادة لملك عظيم، واحتفت بالفن واعلنت أن الفن قيمة عليا حين يأتي منحازا للانسان، وللمستقبل وللضياء والخير.