يمثل رأس المال البشري مجموع المهارات و المعارف و التجارب و الإمكانيات الممكن استغلالها لتحقيق قيمة إقتصادية للأفراد و المنظمات و للمجتمع ككل، و التي يكتسبها الفرد عادة عن طريق التعليم و التدريب و الخبرة العملية.
و يختلف رأس المال البشري عن باقي عناصر الإنتاج في كونه غير مادي بطبيعته و بالتالي ليس من السهل قياسه أو قياس أثره المباشر على الاقتصاد على الرغم من دوره الكبير في زيادة الإنتاج الاقتصادي من سلع وخدمات.
و قد تطور مفهوم رأس المال البشري بعد الحرب العالمية الثانية إذ ظهر في مرحلة الستينيات من القرن الماضي، و مع التطور التقني و الاعتماد على التكنولوجيا و التقدم العلمي خاصة في تقنيات المعلومات و الإتصالات اشتدت الحاجة إلى الاقتصاد المعرفي الذي يعتمد على المعرفة و المهارة و الابتكار و بالتالي ازدادت أهمية رأس المال البشري الذي من دونه لا يمكن استغلال بقية الموارد الاقتصادية بالشكل الأمثل و تحقيق الأهداف المرجوة ، و من ثم أدت عوامل عديدة إلى تحفيز الاستثمار في رأس المال البشري مثل احتدام المنافسة بين الشركات المنتجة و اتساع الأسواق و تنامي الطلب العالمي على السلع و الخدمات إضافة إلى اتساع ظاهرة العولمة و و اتفاقيات التجارة الحرة ، إذ أن جميع ذلك كان يتطلب اهتماماً متزايداً و جهودا مركزة من أجل تنمية المهارات و الإبداعات لدى العاملين و تدريبهم لاستيعاب المتغيرات الجديدة و التفاعل معها بحسب المقتضيات التي تضمن نجاح المنظمات و استمراريتها.
تبرز أهمية رأس المالي البشري في عدة مستويات: فعلى مستوى الفرد؛ يختلف مستوى التعليم و القدرات و المهارات من شخص إلى أخر ويمكن لكل فرد أن يرفع من مهاراته و قدراته عن طريق التعليم والتدريب المستمر، فذلك أمر بالغ الأهمية لما له من أثر في حصوله على فرص العمل المناسبة و تطوير مهنته باستمرار و بالتالي زيادة دخله للوصول إلى الاستقرار المالي .
و على مستوى المنظمة؛ فإن رأس المال البشري يعد أساس القيمة المضافة التي تميز الشركة عن المنافسين و هو الاستثمار الذي تعزّز به مكانتها في السوق، و هذا يعني أن على الإدارة أن تستثمر في رأس المال البشري من خلال التعليم والتدريب و صقل المهارات و استخراج الإبداعات و استخدامها بما يخدم أهداف المنظمة و يمكّنوجودها في السوق, و هذا لا يأتي إلا بضمان بيئة العمل الآمنة و المحفزة لأجل توفير الظروف الملائمة للموظف لضمان الأداء الافضل.
أما على المستوى الاقتصادي فيعد رأس المال البشري من أهم العناصر الإنتاجية التي تسهم في تحقيق التنمية، إذ أن هناك علاقة مباشرة بين رأس المال البشري والنمو الاقتصادي تتضح عن طريق الاطّلاع على نسبة الاستثمار في التعليم للدول المتقدمة، إذ أن الفرد المؤهل تعليماً وتدريباً لديه فرصة أكبر للعمل كمواطن من أجل تحقيق قيمة مضافة ورفع الانتاجية و الاسهام في تنشيط الدورة الاقتصادية وبالتالي تحقيق أهداف التنمية و جميع ذلك لا يأتي إلا عن طريقنظام تعليم قوي يحتضن الفرد من الطفولة و يهدف إلى رفع قدرات الموارد البشرية وتطويرها من خلال تحسين الكفاءة و القدرات الذهنيـة للمواطنين و بالتالي رفع إنتاجية القطاعات المختلفة للاقتصاد و تحقيقالنمو المستدام.
و ليس استثمار الدول في رأس المال البشري محصوراً في التعليم فقط إنما هو نظام متكامل يشتمل على جميع المجالات التي تسهم في بناء الإنسان في كافة النواحي البدنية و العقلية و الصحية و الإجتماعية بدءاً من الطفولة وحتى بعد أن يصبح الفرد قادراً على الانتاج.
و أخيرا فإن للاستثمار في رأس المال البشري عوائد إجتماعية أيضا هي غاية في الأهمية ولا يمكن التغافل عنها تتمثل في تقليص معدلاتالبطالة و تقليص نسبة الفقر و الحد من نسبة العنف و الجريمة لذا وجب تكثيف الجهود في هذا المسار للوصول إلى التنمية المستدامة و الازدهار الاقتصادي و الاجتماعي المنشود.