منذ أيام قلائل مضت، عقد قادة الاتحاد الأوروبي اجتماعاً في العاصمة الإيطالية روما، في الذكرى الستين لمعاهدة روما، التي مهدت لتأسيس الاتحاد، حيث شارك قادة "جميع" دول الاتحاد ألـ 27 وغابت فقط رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي، التي ستشرع في إجراءات الخروج من الاتحاد نهاية شهر مارس الجاري.
كان من أبرز نتائج هذا الاجتماع التوقيع على ميثاق لتعزيز الوحدة الأوروبية، في قاعة الكابيتولين في العاصمة روما، التي شهدت مولد الاتحاد الأوروبي في 25 مارس 1957، حيث وقعت كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا ولوكسمبرج وهولندا معاهدة روما، التي تعد الميثاق المؤسس للاتحاد الأوروبي.
ورغم أجواء التفاؤل ومحاولات بث روح إيجابية في شرايين التكتل الأوروبي عقب خروج بريطانيا، فإن هنك أجواء قلق حقيقية، حيث يترقب القادة الأوروبيين نتائج الانتخابات الفرنسية التي ستجرى في أبريل المقبل، وتتنافس فيها بقوة مارين لوبان، زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية، المعادية للاتحاد الأوربي، والتي تمتلك فرصاً تصويتية مهمة بحسب استطلاعات الرأي الأخيرة.
لاشك أن هناك انقسام أوروبي حول جدوب البقاء في الاتحاد، وهناك تيار شعبوي متنام مناهض للوحدة الأوروبية، ورغم الانقسام الحاصل في بعض الدول، تبقى الانقسامات في الدول المؤسسة للاتحاد مسألة مقلقة للجميع، لاسيما في إيطاليا، حيث تتسع الفجوة بشدة بين مؤيدي ومعارضي البقاء في الاتحاد الأوروبي.
ورغم ذلك كله، يبقى الاتحاد الأوروبي كياناً قوياً متماسكاً ومؤثراً في العلاقات الدولية.
ومن قبيل المصادفة أنه بعد أيام قلائل من قمة روما، تنعقد القمة العربية في العاصمة الأردنية عمان، ما يدفع للتبعية للمقارنة بين القمتين، فالأولى تناقش قضايا حيوية تخص مستقبل الاتحاد ومصيره، والثانية تمتلك أيضاً أجندة متخمة بالقضايا والملفات، بل إن أجندتها ربما تفوق ما يحمله القادة الأوروبيين من ملفات، ولكن الحقيقة أن الهاجس الأكبر لقمة عمان هو عدد الحضور ومستوى التمثيل!
الأمر ليس جديداً ولا طارئاً في قمة عمان، فقد تحولت القمم العربية في السنوات الأخيرة إلى قمم شكلية، وتحول اهتمام الدول المضيفة إلى أمرين رئيسيين أولهما انعقاد القمة، بعد أن بات الانعقاد بحد ذاته انجاز في ظل الاعتذارات والتأجيلات والظروف والملابسات التي تهدد فرص انعقاد القمم العربية ذاتها، والأمر الثاني هو مستوى التمثيل، فقمة نواكشوط الأخيرة، التي عقدت منتصف العام الماضي، لم يشارك بها سوى أقل من عشر رؤساء وقادة عرب، وانخفض مستوى التمثيل بشكل لافت.
لا لوم بطبيعة الحال على الدولة المضيفة، لاسيما أن القمم العربية الأخيرة كانت بمنزلة انقاذ موقف، حيث جاءت استضافت موريتانيا بعد اعتذار المملكة المغربية، كما إن قمة عمان تأتي بعد اعتذار اليمن نظراً للظروف التي تمر بها البلاد.
الواضح أن التئام القمة العربية بات غاية في حد ذاته، أو في أحسن الأحوال هو اجتماع مناسباتي او بروتوكولي لالتقاط الصور، وتبادل الكلمات المؤثرة والتأكيد على المواقف وكفى!!
لا أريد أن أكون متحاملاً على الجامعة العربية ككيان مؤسسي، يدار من خلال لوائح وأنظمة أقرتها الدول العربية ذاتها، ولكن للموضوعية فإن الأمانة العامة لا تبذل ما يكفي من الجهد للتحرك في إطار صلاحياتها القانونية، بل استسلمت للوضع القائم، ولا يشعر العرب بأمينها العام سوى عند الاختيار أو الإحالة للتقاعد وربما عند سفره لهذه الدولة او تلك، أو إصدار بيانة شجب وإدانة بات نادراً رغم انه كان من نوادر الجامعة، بل أحد كلاسيكيات عملها السياسي!!.
من الإجحاف مقارنة الاتحاد الأوروبي بالجامعة العربية رغم أن الثانية هي الكيان الأقدم تاريخياً، لأنه من الظلم مقارنة الدول الأوروبية بنظيرتها العربية كواقع وتطور سياسي واقتصادي وتنموي، ولكن مجرد وجود الجامعة العربية وعقد اجتماعاته بات يستفز قطاعات ليست قليلة من الشعوب العربية، لاسيما في عصر الـ "فيسبوك" و "تويتر"، فمن يتابع مواقع التواصل الاجتماعي لن يجد مؤيداً أو نصيراً لدور الجامعة العربية أو مجرد بقائها، وأنا، كمراقب، ليست معادياً لها، بل أرى أن مشكلتها أنها تمثل سقفاً عالياً للطموح ويجب علينا أن نعترف أنها مرآة لأوضاع الأعضاء، ولكن لأنها مرآة فهي تجمع شتات الصورة وتضعها في نقطة واحدة، وهكذا يصبح الحال أكثر من صعب بالنسبة لمن يشاهد الواقع وقد تجمع في بؤرة واحدة.
بينما الأوروبيون يبحثون تعضيد اتحادهم وتعزيز وحدتهم بعد خروج عضو مهم مثل بريطانيا، يبحث العرب عن تجميع نصاب الحضور والمشاركة في قمم متوالية باتت عبء حقيقي سواء على الدول المضيفة أو على العرب أنفسهم!