2015-10-10 

عقلية الحرب الباردة..

أيمن الحماد

على واشنطن أن تتخلى عن عقلية الحرب الباردة، الحديث السابق للمتحدثة باسم الخارجية الصينية. توحي حالة الصراع القائمة بين الشرق والغرب اليوم أننا مازلنا نعيش مرحلة المعسكرات مع دخول لاعبين جدد، وأن عصر القطبية الواحدة قد أفَل. يحدث ذلك ونحن بصدد اجتماع تعقده مجموعة دول "البريكس" التي في الواقع هي إحدى دلالات عالم متعدد الأقطاب، فهذه المجموعة تهِمُ بإنشاء بنك تنموي تهدف من خلاله تحقيق التنمية المستدامة فى الاقتصادات الناشئة والبلدان النامية فى العالم. إلى جانب ذلك سددت الصين ضربة أخلّت بتوازن القوى الغربية عندما قررت إنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وهو بنك حظي بقبول واسع وانضمت إليه إلى الآن حوالي 35 دولة من بينها المملكة، ويحاكي البنك الآسيوي، البنك الدولي المسيطر عليه غربياً والذي يقع مقره في واشنطن وهو أحد مفاعيل نهاية الحرب العالمية الثانية.. إذن التحولات الاقتصادية هي جزء من الحالة الاستقطابية التي يشهدها العالم اليوم. تطرح النخب الأميركية سؤالاً عريضاً تحاول الإجابة عليه من خلال المعطيات المتوفرة حالياً، مفاده: هل انتهى القرن الأميركي؟ ونحن هنا لسنا بصدد الإجابة على السؤال بقدر ما نحاول جلب معطيات ترجّح الإجابة بنعم؛ ولا تقطع بها. فوسط التغير الكبير الحاصل في المجال "الجيوسياسي" بدءاً من عودة وقضم القرم من أوكرانيا من قبل روسيا، وتحدي بوتين بتقويض أوروبا، وضعف تأثير عقوبات الاتحاد الأوروبي على هذه الدولة العملاقة، التي على الرغم من حالة الانكماش الاقتصادي لها، إلا أن تأثير العقوبات الأوروبية على روسيا يبدو وكأن العكس يحصل وسط ضغط رؤوس الأموال الأوروبية للتخفيف من تلك العقوبات.. هذا إذا ما نظرنا إلى الحضور الروسي اليوم في قضايا الشرق الأوسط لاسيما في سورية وإيران التي تحاول مجموعة (٥+١) التوصل لاتفاق نووي معها قد يعيدها إلى الحاضنة الغربية ويبعدها عن الصين وروسيا التي قال أحد مسؤوليها إن ضرراً اقتصادياً قد يلحق ببلاده في حال التوصل إلى اتفاق نووي مع طهران. ومن قضم القرم إلى بناء الجزر الصناعية في بحر الصين الجنوبي، إذ تواجه بكين انتقاداً حاداً من قبل واشنطن، التي ترى في ذلك تعدياً كبيراً وتحدياً لأمن دول الباسفيك الذي تدور أهم دوله في فلك الولايات المتحدة لاسيما اليابان والفلبين وفيتنام وبدرجة أقل كوريا الجنوبية، تلك الخطوة الصينية تواجه من خلالها سياسة "المحور الآسيوي" التي تتبناها السياسة الخارجية الأميركية استراتيجياً، وتسعى من خلالها للسيطرة على المحيط الهادئ (الباسفيك) من خلال إبقاء 70% من الأسطول الأميركي في هذا المحيط وهو الأمر الذي تنظر له العين الصينية بريبة كبيرة. إزاء ذلك تحاول الولايات المتحدة خلط أوراق اللعبة من خلال تدجين أعداء الأمس وإعطاء "الجزر" ورمي العصا جانباً، وإسقاط صفة الشر عنهم، فالتقارب الأميركي الإيراني مثال على ذلك، والأكثر وضوحاً هو الانفتاح والتطبيع مع كوبا التي كانت في يومٍ ما رأس حربة للاتحاد السوفيتي، وأنذر نصب صواريخ سوفيتية على أراضيها في الماضي بنشوب حرب نووية، هذا التقارب الأميركي من المعسكر الشيوعي طال أيضاً فنزويلا التي حاولت واشنطن في السابق قيادة انقلاب عسكري فيها وفشلت، لكن كراكاس اليوم تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة وواشنطن تغازلها وتعقد اجتماعات لمبعوثيها سراً.. نأسف أن يخيب ظن المتحدثة الصينية هوا تشانغ بينغ لكنها بالفعل عقلية الحرب الباردة.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه