2016-02-22 

لماذا تجميد الهبة السعودية خطوة من أجل لبنان

علي الأمين

العرب - تشكلت حكومة الرئيس تمام سلام قبل عامين تحت سقف معادلة “ربط النزاع” بين قوى 14 آذار وقوى 8 آذار، هذا ما قاله زعيم تيار المستقبل في محاولته تبرير المشاركة في الحكومة مع حزب الله المنخرط في القتال السوري، وعلى مستوى المنطقة، ربط النزاع هذا وفر لحزب الله استقرارا أمنيا لقاعدة انطلاق مقاتليه تلبية لما يسميه الواجب الجهادي في سوريا والعراق واليمن، و”حيث يجب أن نكون سنكون” كما قال أمين عام حزب الله حسن نصرالله، في المقابل وفر التوافق الإقليمي والدولي على الحفاظ على الاستقرار الأمني النسبي في لبنان، فرصة نظرية لإمكانية تعزيز منطق الدولة وشروطها، لكن في واقع الحال بدا أن مؤسسات الدولة باتت في خدمة مشروع الدويلة التي يقودها حزب الله، ولعل عدم انتخاب رئيس للجمهورية أثبت أن الفراغ الدستوري كان عنصر قوة له ولمشروعه الإقليمي.

 

بهذا المعنى كان حرص المملكة العربية السعودية على دعم المؤسسات العسكرية والأمنية، وليس دعم خيار ميليشيات في لبنان، تعبيرا عمليا عن دعمها خيار الدولة، المؤسف أن مسار الأمور كان يظهر عكس ما تتمنى المملكة، والكثير من اللبنانيين الذين باتوا يرون أمام أعينهم كيف يتم تجيير كل المؤسسات لحساب مشروع دويلة حزب الله على حساب الدولة الجامعة. تجميد الهبة السعودية كان رد فعل على استمرار انهيار الدولة أمام الجميع وتحديدا أمام أعين قوى 14 آذار التي بالغت بإظهار العجز السياسي عن مواجهة هذا المسار.

 

لبنان أمام استحقاق مفصلي على صعيد علاقاته العربية والخليجية على وجه التحديد. وبعيدا عن المواقف السياسية التي يتبناها كل طرف سياسي، ما كان منها متعلقا بالنظام العالمي الجديد، أو بمشروع إزالة النفايات، من كان مع إيران أو مع العدو الصهيوني أو كان مؤيدا للسياسة السعودية، إن كان مع البراميل القاتلة في سوريا أو مع تنظيم داعش ونموذج الإرهاب. كل ذلك، مهما بلغ من توصيف إيجابي أو سلبي، يمكن إدراجه في سياق الحريات وحرية التعبير. لكن ثمة ما هو فوق كل ذلك، وهو ما تبقى من نظام مصالح الدولة اللبنانية. ذلك النظام الذي تبني الدول على أساسه سياساتها، ويكون المحدد لسياساتها الخارجية، باعتبار أن جوهر أهداف السياسة الخارجية لأي دولة هو حماية مواطنيها، وبالتالي حماية وجودها.

 

عندما توترت العلاقة الروسية التركية قبل شهرين بسبب الموقف من سوريا عمدت الحكومة الروسية فورا إلى اتخاذ سلسلة إجراءات ضد تركيا. أوقفت استيراد البضائع التركية، فرضت نظام الفيزا على دخول الأتراك إليها، بعد أن كان دخولهم لا يحتاج إلى هذا النظام. ثم بدأت تركيا الاستعداد للاستغناء عن الغاز الروسي بعقد اتفاقيات مع دول أخرى وتحديدا قطر. هذا واحد من نماذج انعكاس توتر العلاقات بين دولتيْن على الجانب الاقتصادي، وعلى التعاون بين الدولتين.

 

في المثال اللبناني السعودي والخليجي، ما يفترض أن يشكل عنصر اهتمام كبير لدى الحكومة اللبنانية واللبنانيين عموما، فتجميد الهبة السعودية للجيش اللبناني هو رسالة أولية من الرياض على خلفية المواقف التي اتخذها لبنان عبر وزارة الخارجية في شأن العدوان على الممثليات السعودية في إيران، وعلى الموقف من التدخل الإيراني في الدول العربية، والذي كان موقفا نافرا في اجتماع وزراء الخارجية العرب واجتماع منظمة الدول الإسلامية. نافر لأنه لا يراعي نظام مصالح الدولة اللبنانية، قبل أن نتحدث عن نظام المصالح العربية والعلاقات التاريخية بين لبنان والسعودية.

 

حصار المصالح اللبنانية، الذي يبرره سلوك وزارة الخارجية اللبنانية، يجعل لبنان أمام تحدّ حقيقي إزاء الخيارات التي سيعتمدها. لا سيما أن القضية لم تعد تتصل بعلاقة حزب الله، أو حتى الطائفة الشيعية في لبنان بالعرب. الأمر يطال الدولة بما فيها، بل يمكن ملاحظة أن الاستياء الخليجي بدأ يبرز من خلال بعض الأقلام الصحافية تجاه المسيحيين اللبنانيين وخياراتهم التي يراها البعض تعادي مصالحهم ليس في الخليج فحسب، بل في لبنان أيضا. ويشير بعض المتابعين السعوديين إلى أن علاقة المملكة بالقيادات المسيحية كانت، دائما، ممتازة لا سيما في زمن الحرب الأهلية التي عاشها لبنان بين العام 1975 و1990.

 

موقف قوى 14 آذار، بعد اجتماع قياداتها وأركانها في بيت الوسط الأحد، حمّل حزب الله مسؤولية ما أصاب العلاقة اللبنانية السعودية. والحكومة اللبنانية معنية بأن تتعامل مع المعطى الجديد. وحزب الله أيضا، الذي اعتاد على اللامبالاة تجاه نظام المصالح اللبنانية في الخليج وعلى المستوى الدولي، معني بالتعامل مع تداعيات هذا القرار على استمرار استقرار البلد، في الحد الأدنى لكونه منامة لمقاتليه أو استراحة المحارب الذي يقاتل في سوريا، وحيث يقتضي الواجب الجهادي الذي تقرره إيران في المنطقة العربية. وانطلاقا من “نظام المصالح” هو معني بالمحافظة على “هداوة بال” المقاتل، حين يقاتل داخل سوريا، بأن عائلته يمكن أن تكون غير آمنة في لبنان.

 

كانت المعادلة قبل عودة سعد الحريري إلى لبنان، أن على السعودية أن تدفع ثمن انتخاب رئيسا للجمهورية في لبنان، سواء بفاتورة سورية أو في اليمن أو غيرهما. المعادلة اليوم تتجه نحو منقلب آخر. السعودية تقول، من خلال التصعيد الأخير، إنها لن تدفع ثمن انتخاب رئيس لبنان. والمطلوب أن يقرر اللبنانيون ماذا يريدون. هم لا يريدون دولة ولا رئيس فلماذا الهبة للجيش اللبناني؟

 

وأكثر من ذلك فإن التفهم السعودي للحسابات اللبنانية لا يبرر على أن تتحمل تبعاته وحدها من مواقف رسمية ناكرة للجميل. لذا فكل الخيارات متاحة. القيادة السعودية التي ترفض أن تدفع ثمن انتخاب رئيس لبناني لإيران، تريد أن تدفع ثمن انتخاب الرئيس من رصيدها اللبناني، من هباتها السياسية الكثيرة.

 

لا يمكن فصل عودة سعد الحريري إلى لبنان عن التصعيد الأخير. مضى وقت على “خطأ” جبران باسيل الثلاثي. الجديد هو أن هناك جلسة في 2 مارس ومرشحين: ميشال عون وسليمان فرنجية. إذا كان اللبنانيون حريصين على لبنان فلينتخبوا أحدهما. في هذه الأثناء فالأسبوع الماضي كان عينة عما يمكن أن يعيشوه في “عهد” ميشال عون وصهره وزير الخارجية.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه