يترقب الوسط السياسي والرأي العام التركي بحذر شديد ماستسفر عنه الانتخابات النيابية المقبلة والمقرر إجراؤ ها في السابع من يونيو المقبل، وستتحدد نتائج الانتخابات خريطة البرلمان المقبل وهوية الحزب الحاكم لمدة اربع سنوات مقبلة أي حتى العام 2019. وتختلف هذه الانتخابات عن سابقتها حيث تنظم لأول مرة في ظل رئاسة وزير الخارجية السابق احمد داود أوغلو رئيسا لحزب العدالة والتنمية وللحكومة، بعد أن انتُخب رجب طيب أردوغان رئيساللجمهورية في صيف العام 2014. وتعد الانتخابات النيابية فرصة لداود اوغلو ليُثبت زعامته للحزب وليكون الرقم الصعب الأول في تركيا، حيث ان السلطة التنفيذية في تركيا بيد الحكومة وبالتالي يُعتبر رئيس الحكومة الرجل الأقوى في البلاد، وبالتالي فالانتخابات تعني أولًا وأخيرًا أوغلو . وبالطبع ستكون هذه الانتخابات ذات أهمية مصيرية لرئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان فهو كرئيس معني مباشرة بالانتخابات النيابية العامة لأنه يرى أن موقع القرار الأول في البلاد والراسم لسياساتها والمحدد لتوجهاتها وخياراتها الإستراتيجية يجب ان يكون حيث يكون هو. وبما أنه انتقل إلى رئاسة الجمهورية، فإن الدستور يجعل منه الرجل الثاني في البلاد بعد رئيس الحكومة من جهة الصلاحيات والتأثير. ويؤكد الخبراء أنّ رغم خروج أوردغان من رئاسة الحزب إلا مهمته في ادارة الحزب من بعيد وفقا لما يُريد ليست صعبة فتأثيره لا يزال قائما، وهو من جاء اوغلو رئيسا للحزب وللحكومة فضلًا عن أنّ النواب الحاليين هم من صناعته، فجميعهم يدينون بالولاء له. لكن التحدي الذي يواجهه أوردغان أنّ اوغلو يخوض الانتخابات ليؤكد انه جدير بالزعامة ويحقق انتصار جلي له ولحزبه يرسخ زعامته الجديدة ويخرجه من كونه تابع لأردوغان، فهو لن يقبل - مع احترامه لأردوغان وفضله عليه - بأن يكون الرجل الذي يُلغي نفسه من أجل شخص آخر ولو كان أردوغان لأن هذه فرصته أيضا ليكون شخصية يذكرها التاريخ وليس الرجل الذي ألغى مركز ثقل رئاسة الحكومة ليعود بعد الإنتخابات مجرد نائب أو وزير بعدما انفتحت له أبواب الزعامة والتاريخ. ويشير الخبراء أنّ أوغلو بذلك الإنتصار يعمل على جلب نهايته بيده، فالولاء في النهاية داخل الحزب لن يكون له بل لأردوغان وهذا أمر محسوم. ويسعى أردوغان إلى أن تنتقل صلاحيات رئيس الحكومة إلى رئاسة الجمهورية وهذا يتطلب معارك مع أكثر من جهة في مقدمتهم رفاقه في حزب العدالة والتنمية. وليعود أردوغان الرجل الأقوى في البلاد يتطلب تعديل الدستور والإنتقال بالنظام السياسي من نظام برلماني متعدد، الثقلُ فيه للحكومة ورئيسها، إلى نظام رئاسي يكون رئيس الجمهورية هو رئيس الحزبالفائز في الانتخابات الذي يُعيّن الوزراء وربما رئيس الحكومة ويحصر السلطة بيده. ويخطط اردوغان ان يفوز حزب العدالة والتنمية بثلثي مقاعد البرلمان لكي يتسنى له ان يُعدّل الدستور فيالبرلمان والإنتقال بالبلاد إلى نظام رئاسي. وإذا لم ينجح ففوز الحزب بما لا يقل عن 330 نائبا يمكنه من إحالة أي مشروع لتعديل دستوري الى استفتاء. ولم يعتمد أردوغان على الحملة الإنتخابية لحزب العدالة والتنمية فقط بل قرر أن يخوض بنفسه (رغم انه رئيس للجمهورية) المعركة الانتخابية النيابية وأن يقوم بجولات في شتى المناطق كما لو أنه رئيس الحزب وبهذا يسعى لرفع منسوب نجاح الحزب بأكبر عدد من المقاعد، وأنّ ينسب انتصار الحزب الى نفسه وليس الى داود اوغلو. ويهيئ أردوغان الساحة الحزبية لحمل زعيم جديد للحزب بدلا من داود اوغلو وهو حاقان فيدان. فرغم الأنباء التي أكدت رفض اردوغان لاستقالة حاقان فيدان من رئاسة الإستخبارات التركية للترشح الى النيابة فإن بعض المعلومات تقول انها لعبة أردوغانية للإطاحة في مرحلة ما بعد الإنتخابات بداود اوغلو وتنصيب فيدان زعيما للحزب لأن فيدان برأي هذه المصادر أكثر أمانة وطواعية لأردوغان من داود اوغلو. وبالتالي فإن أردوغان يُخطط - حسبما يبدو - لتصفية كل الحرس القديم في الحزب. ومن بين الأوراق التي يحاول أردوغان أن يستخدمها أو ربما يتلاعب بها من أجل الوصول الى هدفه، الورقة الكردية، حيث بدأ بإغداق الوعود على حزب العمال الكردستاني ورئيسه المعتقل عبدالله أوجالان بتلبية المطالب الكردية على أن يقوم أوجالان في المقابل بخطوة كبيرة جدا تتمثل في الدعوة إلى تخليالحزب عن السلاح في مؤتمره المقبل، أي أن يتخلى الحزب عن السلاح مقابل تلبية المطالب الكردية على أن يقابل الأكراد ذلك بتأييد تعديل الدستور للإنتقال الى نظام رئاسي يلبي طموح أردوغان لاسيما وأن الأكراد يعنيهم أولا وأخيرا تحقيق مطالبهم سواء كان النظام في تركيا برلمانيا أو رئاسيا. ويأتي ذلك بعد أن ّقرر الحزب الكردي المعروف باسم حزب الشعوب الديموقراطي المؤيد لحزب العمال الكردستاني خوض لانتخابات النيابية بصفته الحزبية مما يتطلب فوز الحزب بـ 10 % من الأصوات في الانتخابات على مستوى تركيا. وفي ذلك مغامرة كبيرة اذ ان نتائجه السابقة كانت تعطيه بحدود 6-7 % فإذا فشل في نيل 10 % فسيبقى خارج البرلمان بالطبع سيكون لمصلحة حزب العدالة والتنمية الذي سيُجيّر لصالحه معظم المقاعد في المناطق الكردية وسيكون حصول الحزب على ثلثي المقاعد قريبا من المنال وبالتالي سيتمكن اردوغان من تعديل الدستور في البرلمان خارج أي ابتزاز كردي. لكن اردوغان تحسب لاحتمال أن ينال الأكراد النسبة المئوية المطلوبة وبالتالي فإنه سيكون بحاجة إلى نوابهم الستين أو السبعين لتعديل الدستور والإنتقال بالبلاد إلى نظام رئاسي. السيناريو الذي يرسمه أردوغان ليس بالسلاسة التي يعتقدها، فالمشكلة الكردية بالطبع لن تبقى إلى الأبد بلا حل لكنها أيضا لن تكون كذلك في ضوء مهلة زمنية قصيرة جدا وضاغطة ومحكومة بالإنتخابات. كما أن الأبعاد الإقليمية لاسيما في ضوء ما يحققه الأكراد من تقدم في سوريا ومن عدم وضوح المشهد الإقليمي المحيط بتركيا يجعل من خطوات التقدم لحل المشكلة الكردية محكومة بكل هذه العوامل غير الواضحة والتي لا يتوقع ان تكون كذلك في المدى المنظور وقبل أن تتبلور معالم الصراع الدامي وانتهاء الإضطراب الكبير الذي تشهده المنطقة والذي لا تبدو له نهاية قريبة.