2016-05-06 

أردوغان – داود أوغلو: أخونة ضد الأخونة

عبدالجليل معالي

العرب - الخلاف الأخير بين رجب طيب أردوغان، الرئيس التركي، ورئيس الوزراء وزعيم حزب العدالة والتنمية، أحمد داودأوغلو، أثار غبارا كثيفا في الساحة السياسية التركية، إلا أنه كشف أيضا ما يسود الحزب المهيمن على تركيا منذ العام 2002 من شدّ بين أخونة عارمة يقودها أردوغان وصحبه، وسير معاكس بدأه داودأوغلو منذ تدشينه سياسة الصفر مشاكل ومنذ تقلّده زمام الحزب والحكومة. الخلاف ليس بين رجلين داخل الحزب وفي أعلى هرم السياسة التركية، بل هو بين توجهات سياسية وفكرية متباينة كشفتها الرياح الإقليمية والدولية، التي فرضت على الرجلين الجهر بالخصومة.

 

لقاء التسعين دقيقة الذي جمع الرجلين في أنقرة، الأربعاء الماضي، لم يكن كافيا لتذليل المسافة الفاصلة بين التوجهين، وما رشح من أخبار مقتضبة لخّص عزم رئيس الوزراء وزعيم العدالة والتنمية على الاستقالة.

 

الثابت أن المستوى الذي وصلته العلاقة بين أردوغان وداودأوغلو، يعكس تراكم طبقات من الخلافات التي طالما أخفيت بعناية عن التداول والإعلان، وهي خلافات بدأت من نزوع رئاسوي أردوغاني وأسلمة جارفة وسعي لتمكين تركيا من دور إقليمي في المنطقة يقوم على ريادتها ورهانها ومناصرتها للتيارات الإخوانية، كما على إعادة إنتاج “الخلافة” التي طالما صدح بها أردوغان، فضلا عن المواقف من المسألة السورية وما ترتب عنها من صداع متصل باللاجئين والأكراد وعضوية تركيا في النادي الأوروبي. كل هذه الرهانات (أغلبها أردوغانية بمثابة صدى لرؤى الإخوان للمنطقة) تصطدم بكاريزماتية أثثها داودأوغلو باختراعاته السياسية من قبيل تصفير المشاكل وغيرها. لكن وبما أن لكن أكمة ما وراءها، فإن للأمر أروقة خفية لا تخرج من سجال “الحزب والجماعة”، ولا تنأى عن العلاقة الجدلية مع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين (تأثير وتأثر بين الإخوان والعدالة والتنمية لا تخفيه الجماعة ولا ينكره الحزب).

 

تحليل كل ما رشح من نقاط الخلاف بين الرجلين يكفي لتبيّن أن للقضية جذورا عميقة ذات صلة بأصول الحزب الفكرية، قبل السياسية، ويكفي كذلك لتمثل أن الأيديولوجيا (بمعنى الأفكار والأدبيات) حاضرة في الخصومة أكثر من السياسة (بما تحيله من فعل وممارسة على الميدان).

 

التقرير الذي قيل إنه مستقى من رسالة نشرها مجهول على الإنترنت يرجح أنه مقرب لأرودوغان قال إن “داودأوغلو لم يلتزم بشرطين وضعهما أردوغان لتسليمه زعامة حزب العدالة والتنمية، وهما إقرار نظام حكم رئاسي والامتناع عن التعاون مع الغرب الذي يريد إطاحة أردوغان، مستغلا الملفين السوري والفلسطيني”. وبين أحلام أردوغان الرئاسية والمؤامرة الغربية تحضر كل الملفات التي كان فيها الموقف التركي منتصرا للإخوان أولا، ومختلفا في بعض القضايا مع غرب (أوروبي أساسا) يرى أن تركيا غير منضبطة للمعايير الأوروبية التي تؤهلها للانضمام إلى أوروبا “خائفة من الجهاديين”.

 

على أن هذا البعد المتصل بـ”خيانة داودأوغلو” كما يردد الأودوغانيين داخل العدالة والتنمية، يذكّر أيضا بتذمر مستشار الرئيس التركي، عمر الفاروق قرقماز، من الإخوان الفارين إلى تركيا من كل حدب وصوب، الذي وصفهم – في حوار لفضائية مملوكة لإخوان لندن- بأنهم “يطلقون شعارات أكبر من تركيا”، وأن “هذا المشروع الذي نادت به هذه المجموعة فشل وأفشل المشروع الديمقراطي في بلدهم، ولا أريدهم أن يفشلوا المشروع الديمقراطي في تركيا”.

 

وأضاف قرقماز “من يريد أن يساعد أو يخدم المصالح التركية من إخواننا العرب، أتمنى ألا يتجاوز سياسة حزب العدالة والتنمية، هناك نعرات وشعارات أكثر بكثير من حجم تركيا عند بعض إخوتنا العرب، وبالتالي هذا يجعل بعض الأصدقاء الغربيين يخافون من تركيا أكثر من اللزوم، فتركيا دولة وطنية في نهاية المطاف، دولة ديمقراطية وستبقى ديمقراطية ولن تتجاوز المعايير الإنسانية ولا المعايير الدولية”.

 

توقيت هذا التصريح الذي جاء بعد تنظيم مهرجان “شكرا تركيا” الذي انتظم نهاية شهر أبريل الماضي والذي شهد حضور قيادات إخوانية كبيرة من مختلف الأقطار العربية والإسلامية، وواكبه يوسف القرضاوي الذي قال في الاختتام “تركيا البلد العظيم قدم للإسلام طوال تاريخه خدمات لا تنتهي”، يشي بأن المهرجان والحضور الإخواني الكثيف وما راج خلال الفعالية من فعاليات قد رفع سقف الأحلام الإخوانية أو ربما مثل تشجيعا إخوانيا مضمرا لأحلام أردوغان المعلنة: استعادة الخلافة الإسلامية، وهو حلم لخصه أردوغان وصحبه بضرورة تغيير الدستور نحو وجهة رئاسية، والتخفف التدريجي من العلمانية الأتاتوركية، وهي مسارات بدأت بشكل متواز ومداخل.

 

أردوغان الذي أهدى للقرضاوي نسخة من كتابه الجديد “رؤية للسلام العالمي”، كان يرى نفسه “الإخواني الأخير” في السلطة، وهو موقع يحمّله مسؤولية الذود عن حياض “الأمة” وصون شؤون “الجماعة”، لذلك يراهن على تسويق أحلامه التي تجد هوى في نفوس أتباعه في الداخل كما في الخارج. ولعل الخلاف مع داودأوغلو يمكن هنا بالتحديد. وهذا لا يعني أن داودأوغلو ابتعد عن الخط الإخواني العام أو انتقل على المعسكر المقابل الأتارتوكي أو اليساري أو سواه، وإنما كان “إخوانيا أقل” من رئيسه، وربما فكر في الدولة والحزب أكثر مما فكر في الأمة الإسلامية والجماعة.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه