2017-05-19 

الخرس إزاء الاتجار بالبشر؟!

د.وجدان فهد جاسم

تعتبر قضايا الاتجار بالبشر مصدر قلق  للضمير العالمي في الآونة الأخيرة ، فهي تُشكل شكلاً من أشكال الرق المعاصر، كما تُعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية.

 

و لا تقتصر على دولة معينة بل أضحت عالمية، لكن تختلف صورها وأنماطها من دولة إلى أخرى طبقًا لنظرة الدولة لمفهوم الاتجار بالبشر ومدى احترامها لحقوق الإنسان، ووفقًا لعاداتها وتقاليدها وثقافتها والتشريعات الجنائية النافذة فيها في هذا المجال.

 

 

ولقد ّعرف بروتوكول الامم المتحدة لمنع وقمع ومعاقبة الإتجار بالبشر وخاصة النساء والأطفال على  انه "تجنيد اشخاص أو نقلهم أو ايواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من اشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع, أو استغلال السلطة, أو استغلال حالة استضعاف أو بإعطاء أو تلقي مبالغ أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال"، و يشتمل الاستغلال في حده الأدنى على استغلال الآخرين في الدعارة أو الاشكال الأخرى من الاستغلال الجنسي أو العمالة أو الخدمة القسرية أو العبودية أو ممارسات مشابهة للعبودية أو العمل بالإكراه أو نقل الاعضاء.

 

 

ونلاحظ من هذا التعريف شموليته لغالبية الافعال (التجنيدالنقل - الايواء -الاستقبال) التي تقود للإتجار بالبشر, كما توسع أيضا في ذكر ووصف الطرق والوسائل المستخدمة، فشمل التهديد بالقوة واستعمال القوة والقسر والاختطاف والاحتيال والخداع واستغلال السلطة واستغلال حالة استضعاف وإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر. وفي جانب الغرض من الاستغلال فقد ضم التعريف غالبية الاغراض من عمليات الاتجار فذكر استغلال دعارة الغير أو سائر اشكال الاستغلال الجنسي, والسخرة, والخدمة قسرا, والاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق, والاستعباد أو نزع الاعضاء.

 

 

وعلى الرغم من شمولية التعريف لغالبية الافعال والوسائل والأغراض من الإتجار بالبشر، إلا أن من الصعب حاليا  حصر كافة الأشكال والصور التي يمكن أن تتخذها جرائم الإتجار بالبشر، ومع ذلك فإن ما يمكن الجزم به هو أن هذه الأشكال وتلك الصور تتطور بسرعة فائقة، وفي اتجاه تصاعدي في ظل العولمة وثورة الاتصالات والمعلومات، إذ يمثل الإتجار بالبشر ثالث مصدر للتربح من الجريمة المنظمة بعد تجارة المخدرات و تجارة السلاح التي  يُحصد من ورائها بلايين الدولارات سنويًا.

 

 

وتحجيماً لنطاق تلك القضايا والجرائم المهددة للأمن والتنمية فإن المنظمات الدولية والإقليمية تحرص على عقد المؤتمرات والندوات الدولية لوضع الأسس والمعايير الدولية للحد من انتشارها،  ويكون ذلك من خلال إبرام الاتفاقيات الدولية المتعددة الأطراف فيما يتعلق بمكافحة الإتجار بالبشر ، وحث الدول المختلفة على سن التشريعات الداخلية بها التي ُتجرم الوقائع المرتكبة لصور الإتجار بالبشر، ومتابعة الجهود  المبذولة من كل دولة وما اتخذته من إجراءات وتدابير لمكافحة هذه النوعية من الجرائم وتقييمها.

 

 

وتوازياً مع تلك الجهود الدولية تنشط منظمات المجتمع المدني أيضأ على خط المواجهة ، من خلال التعاون والتنسيق المستمر بين المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية كلاً فيما يخصه، وعلى رأس هذه المؤسسات تأتي وسائل الإعلام بما توليه من تركيز خاص على قضايا الإتجار بالبشر من زاوية التعرض للقوانين المخصصة لها، ثم من زاوية التغطية الاعلامية عنها من باب الكشف المستمر عن المتورطين فيها من جهة، وسبل عقاب هؤلاء بما يردع غيرهم ممن يحاولون اختراق القوانين الخاصة بمكافحة الظاهرة.

 

 

والسؤال الذي يتبادر ما مدى الاهتمام الذي توليه وسائل اعلامنا العربية والخليجية بصفة خاصة لمثل هذه القضايا الحقوقية المؤرقة، وأبعاد التناول والسياق الذي تتم فيه معالجة الأطر الخبرية الخاصة بتناول هذه النوعية من القضايا.

 

 

هناك عدة دراسات أجريت في هذا الشأن وخلصت إلى العديد من النتائج الهامة نذكر منها أن اكثر الأطر الاخبارية المستخدمة في معالجة قضايا الإتجار بالبشر تنحصر ما بين الإطار القانوني، والإطار الحقوقي ، والأطر التوعوية، وذلك بهدف إبراز عنصر الجريمة في الموضوع ، ثم لإبراز الجهود المبذولة من الجهات الأمنية  للسيطرة على هذه الجرائم وطرق مكافحتها، وترتكز معظم القصص الإخبارية على شخصيات المتورطين في قضايا الاتجار بالبشر سواء من المتهمين ، أو الضحايا.

 

 

لكن اللافت للانتباه أن معظم التغطيات الصحفية  لمثل تلك القضايا تفتقد لنمط تغطية الصحافة الاستقصائية التي تعمد إلى التحليل والتقصي والتعليق ، والانخراط في عرض القضية بكافة جوانبها ، ثم تقديم حلول مقترحة لها ، وهو ما يدعو إلى الضرورة الملحة لتوجيه مزيد من الجهود الاعلامية لتغطية قضايا الاتجار بالبشر خاصة وأنها ذات أبعاد دولية.

 

 

إننا بحاجة ماسّة اليوم إلى إعلام لا يغفل عن كشف الحقائق في قضايا الاتجار بالبشر ويتعرض للتشريعات ومدى الجهود التي تتخذها الدول لمكافحة تلك القضايا ومعاقبة المتورطين بجرائمها ، بل أن يكون إعلامنا سبّاقا لتعرية القصور وأوجه التقاعس في حلحة هذا الملف الذي بات عائقا امام بعض الدول في سبيل استكمال خططها التنموية، وعبئا يطاردها حينما تستغله بعض المنظمات الحقوقية الابتزازية لمناكفة الدول وعرقلة مسيرتها لبناء مجتمع آمن وأكثر استقرارا وتنمية.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه