بوفاة رجل المال والأعمال الشهير عدنان خاشقجي فإن صفحة سعودية تطوى من كتاب شخصية ظلت مثيرة للجدل لعقود طويلة، وأحاط الغموض بكثير من تفاصيل حياتها.
وتوفي خاشقجي صباح اليوم في لندن بعد معاناة مع المرض.
ورغم الرحيل لا يزال وسيط صفقات الأسلحة الشهير عدنان خاشقجي يحظى باهتمام جيل جديد، يحب الأضواء ونجومها، رغم أنه لم يشاهد إلا ما تبقى من شبح رجل كان يعرف العالم جيداً، ويعرفه رجالات الملُك، والمملكة، والملكية، وعواصم صنع القرار، وأيضاً العواصم التي لا تصنع القرار، بل البهجة.
وعلى الرغم من تداول صور جديدة للخاشقجي يبدو فيها وحيداً مقعداً، في أحد المطارات السعودية، ونسجت حولها قصص لا تحصى، فإن هذا لا ينقل الصورة كاملة، عن خريف الرجل الكبير، بل هو نمط حياة غامض اعتاد القرصان، كما كان يسمى، على عيشه منذ تعرضه لمجموعة نكسات مالية وسياسيّة.
خاشقجي وحسب مقربين تحدثوا مع "الرياض بوست" كان قد عدل عن نشر مذكراته التي كان يراوده حلمها، رغم أنه دون الكثير منها، وهي محطات لافتة في تاريخ المملكة والعالم أيضاً، خصوصا العلاقات السعودية الأميركية، بل أيضاً تراجع عن إجراء عدة مقابلات تلفزيونية، كان كثيرون ينتظرونها بشغف.
ورغم المرض إلا أن أبو محمد، خال دودي وشقيق سميرة بنت الجزيرة، كان في تمام حيوته الفكرية وهو يتابع أحداث المنطقة عن كثب، خصوصا الربيع العربي، ولديه رؤاه المختلفة، وتحليلاته الخاصة حولها.
قبل الرحيل بسنوات كان الخاشقجي يتجول بهدوء وبصخب أقل، بين جدة ودبي، مدينة الأنوار والأحلام، وحيداً لا يتحدث إلا برغبة جميلة، عن الماضي، وحين تواجهه بعض الأسئلة الحاسمة، يراوغ بذكاء ثعلب قديم، لا تستطيع أن تقتطف منه الإجابة، بل تصطدم بسؤال يضاف إلى السؤال المسؤول، أو غير المسؤول!
برز اسم عدنان خاشقجي من خلال الأدوار التي لعبها كوسيط في صفقات بيع السلاح بين الحكومة السعودية وشركات في الولايات المتحدة، حيث برز في هذا الميدان سنوات الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وكان من أهم زبائنه شركة لوكهيد كوربريشن، ورايثون، وشركتي جرومان ونورثروب.
كما أنه لعب عدة أدوار على المسرح العالمي لدرجة جعلت أسمه يتردد في قضية إيران-كونترا، إذ قيل إنه كان الوسيط الأساسي في عملية تبادل الرهائن الأميركيين بالسلاح، إضافة إلى قصة بنك الاعتماد الذي يعتبر وجوده وزواله، قصة يسيل لها لعاب الصحافيين والقراء المغرمين بعالم الأسرار والسلاح والمال، وأشياء أخرى.
كان خاشقجي على صلة قريبة بنيكسون، ودائرته اللصيقة، في فترات من أهم فترات التدخل الأميركي في الشرق الأوسط، وأكثرها سخونة.
إلا أن الأمور تغيرت. لقد انتهت حفلات الكافيار، وليال اليخوت الفاخرة، وبقي الثعلب متحفزا في داخل الشيخ الذي يريد الكلام ولكنه.... يتردد، حتى أتى الطارق الأخير، ورحل خاشقجي بصمت شديد.