قد تبدو الأزمة الخليجية والتوتر القائم في العلاقات بين السعودية وقطر مرتبطا بالتطورات الإقليمية الراهنة غير أن تاريخ العلاقات بين الرياض و الدوحة يلقي بظلاله على هذه الأزمة.
موقع Atlantic Council أورد في هذا السياق تقريرا للكاتب السعودي محمد خالد اليحيى ترجمته عنه الرياض بوست أكد فيه الزميل غير مقيم، في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط أن قطع السعودية لعلاقاتها مع قطر يعود سببه الأساسي إلى التوجس السعودي من قطر وسياساتها المعادية لها وللإستقرار في المنطقة.
ويشير التقرير إلى أنه وفي الوقت الذي يعتقد فيه العديد من المراقبين الدوليين أن الرياض وأبوظبي، اللتان تملكان علاقات مميزة معى واشنطن سعت لمقاطعة قطر بعد تلقي "الضوء الأخضر" من إدارة ترامب إلا أن واقع الحال أكثر تعقيدا من ذلك بكثير حيث تعود جذور الأزمة إلى سياق تاريخي متعرج إستمرت تداعياته حتى اليوم .
ويضيف اليحيى أن توتر العلاقات بين الرياض والدوحة هو نتاج ديناميتين رئيسيتين على مدى العشرين عاما الماضية أولهما العلاقة الثنائية القطرية السعودية المتعثرة بعد الانقلاب الذي قام به الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني (والد الأمير الحالي) ضد والده الشيخ خليفة بن حمد وثانيهما هو صدام سياسي بدا أكثر وضوحا في أعقاب الانتفاضات العربية، بالعودة إلى السياسات الخارجية ومقاربات مكافحة الإرهاب المختلفة والمتناقضة أحيانا بين المملكة العربية السعودية والجهات الفاعلة الأخرى في مجلس التعاون الخليجي مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين من جهة، وقطر من جهة أخرى.
وبالعودة إلى السياق التاريخي وحين كان أمير دولة قطر الشيخ خليفة بن حمد في رحلة إلى سويسرا، في حزيران / يونيو 1995، قام ابنه الأمير السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بانقلاب دموي واستولى على السلطة من والده الذي كان نفسه استولى على العرش بعد خلع ابن عمه في عام 1972.
و من سويسرا، رفض الأمير المخلوع استيلاء ابنه على السلطة ووصفه ب "السلوك غير الطبيعي لرجل جاهل". وكان قادة مجلس التعاون الخليجي يتفقون إلى حد كبير مع الأمير المخلوع بما أنهم ينظرون إلى أن سلوك هذا "الصبي" يشكل تهديدا للإستقرار في الخليج.
ويضيف الكاتب السعودي أنه بعد صعود حمد بن خليفة بفترة وجيزة، تحولت قطر من حليف قوي للمملكة العربية السعودية إلى ممثل مستقل رأى فيه السعوديون كيانا معاديا للمملكة وهو نفس موقف دول الخليج الأخرى كما زادت صبت قناة الجزيرة، مزيدا من الزيت على نار التوتر السعودي القطري بعد أن أصبحت منبرا لمناقشة الشؤون الداخلية لجيران قطر حيث استضافت المعارضين السياسيين، الذين كان بعضهم مثيرا للجدل في الخليج، مثل سعد الفقيه، الذي أضيف إلى قائمة الأمم المتحدة التابعة للقاعدة في عام 2004.
ومما يزيد من تشكيل التصور السعودي بأن قطر معادية للمملكة تسجيلات للمحادثات المزعومة بين القيادة القطرية والقائد الليبي السابق معمر القذافي، حيث ناقش الأمير ورئيس وزرائه خططا لتقويض المملكة. و في أول تسجيل، أعلن الشيخ حمد بن خليفة أن قطر هي البلد الذي تسبب في أكبر قدر من المتاعب في المملكة العربية السعودية، وتوقع سقوط المملكة خلال اثني عشر عاما، وتفاخر بأن قطر أعطت منصة للمنشقين السعوديين مثل وهو شيخ في المدينة المنورة من خلال قناة الجزيرة، على الرغم من أن منافذ أخرى لن تستضيفه.
و في التسجيل الثاني، اقترح الشيخ حمد بن جاسم اختيار الضباط العسكريين السعوديين من خلال توفير الرعاية الصحية في أوروبا وغيرها من الفوائد لهم. كما أوضح أن قطر شعرت بالحاجة إلى بناء علاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل لما زعم بأنه خدمة للمصالح العربية في المنطقة .
وبالرغم من أن صعود الشيخ تميم كان يعد حل وسط وتحولا في علاقات قطر مع جيرانها إلا أن السعوية تأكدت بعد حوالي عام من حكم الشيخ تميم، بأن التغيير في الموقف القطري غير كاف، وأن حمد بن خليفة وحمد بن جاسم مازالا يتمتعان بنفوذ كبير في الدوحة. وأدى ذلك إلى قيام المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر في عام 2014 قبل توقيع اتفاق الرياض الذي وافق فيه الأمير الجديد الشيخ تميم على مجموعة من الشروط التي طرحتها دول مجلس التعاون الخليجي من أجل استعادة العلاقات.
و ما هو أكثر وضوحا وفق التقرير هو أن للمملكة، جنبا إلى جنب مع دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر، خلافات مع قطر فيما يتعلق بالسياسات الإقليمية واستراتيجية مكافحة الإرهاب.
وقد ركزت السياسة القطرية في المنطقة منذ فترة طويلة على المشاركة المفتوحة مع جميع الأطراف وهذا يعني التعامل مع طالبان والجماعات المرتبطة بالقاعدة في سوريا والحوثيين في اليمن وحزب الله وإيران وميليشياتها في المنطقة، وطائفة واسعة من الجهات الفاعلة الأخرى وهو ما ترفضه الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية التي لا تقبل التعامل مع هذه الجماعات المتطرفة والإرهابية.
كما يرى السعوديون أن تفاعل قطر مع الجماعات المتطرفة يقوض سياسة مكافحة الإرهاب فعلى سبيل المثال، تواصل قناة الجزيرة إستضافة زعيم جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة أبو محمد الجولاني وهو ما أغضب الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية من جديد.
ومما يزيد من إزعاج السعوديين أن قطر كانت على استعداد لاتخاذ بعض خطوات السياسة الخارجية أكثر جرأة وأكثر هطورة على الاستقرار في المنطقة فعلى سبيل المثال، دفعت قطر ملايين الفدية لإطلاق سراح الصيادين القطريين من العائلة المالكة التي اختطفت في العراق. وذهبت الأموال إلى كتائب حزب الله العراقي، التي كانت تحتجز الصيادين القطريين، فضلا عن فصيل تحرير الشام (التابع للقاعدة) وهي الخطوة التي أفاضت كأس الغضب السعودي والإماراتي .