لكي نعرف ما الذي أعاق "كابسارك" عن تحقيق الأهداف التي أنشئ من أجلها، لابد أن نتعرف سويا على المؤشرات التي تمكنا من جمعها، وهي:
* الإستباقية
* الكفاءات
* أجندة الأبحاث
* حجم الإنتاج
* توطين الأبحاث
* احترافية العمل
* التفاعل مع المحيط الوطني والأكاديمي . . . . ومظاهر أخرى مختلفة
من خلال هذه المؤشرات سنقارن وضع المركز على مدى السنوات الثلاث الماضية بوضع المركز في حالة المثالية البحثية التي كنا نعول عليها وذكرناها في المقال السابق.
لأول وهلة في مسار البحث تدرك أن هناك انحرافا في أجندة الأبحاث عن الرؤية والرسالة المرسومتين للمركز بشكل كبير. نجد أن أجندة الأبحاث الحالية قد انحرفت عن المسار الذي يؤدي إلى تحقيق الرؤية والرسالة التي أقيم مركز كابسارك من أجلها، ويتجلى ذلك في البحوث المنشورة ومشاريع البحوث القائمة، فقد أصبح التركيز في البحوث على مجالات لا تحقق الأهداف.
وفي هذا الصدد سنتناول الكيفية التي انحرف المركز من خلالها عن أجندة الأبحاث المرسومة في ثلاثة أمور، وهي:
* تناول الأوراق البحثية للقضايا التي تخدم الوطن.
* منهجية البحث المتعلقة في المجالات الاقتصادية.
* المواضيع التي تتناولها الأوراق البحثية.
كيف يمكن قبول أن هذا الكيان الهائل لم يتجاوز تناوله لأسواق النفط أحد أهم الميادين الحساسة والتي يعود إليها الكثير من القرارات الاقتصادية في البلاد حتى لم يصل الى ، والأدهى من ذلك، لم يتم تناول التغير المناخي بأكثر من ورقتين بحثيتين على مدى الثلاث سنوات ونصف تقريبا، بينما تمت مناقشة أسواق الفحم الحجري بنسبة %9، والمواضيع النظرية بنسبة %9، بالرغم من كونهما ليسا من الأهداف الرئيسة الموضوعة للمركز ولا تتعلق بصناعة النفط! وجاء تركز الأبحاث على الطاقة المتجددة بنسبة %20، ولكن من غير أن تلامس الأسباب الرئيسية لعدم إدخالها في مزيج الطاقة الكهربائية في المملكة العربية السعودية الى الآن!
هذا كل مجالات البحث التي تناولتها الأوراق البحثية في كابسارك من بداية عام 2013 إلى منتصف 2017. أما منهجية البحوث فيطغى عليها النماذج ذات "التوازن الجزئي"، أي تلك النماذج التي تعزل ظاهرة اقتصادية ما عن العوامل والمؤثرات الاقتصادية الأخرى، والتي قد تكون حاكمة. لذلك تمنحنا هذه النماذج بعضا من الدلائل والإشارات عن الظاهرة الاقتصادية موضع الدرس، خصوصا للمتخصصين، ولكنها حتما لا تنفع صانعي القرار، بالذات عندما تكون العوامل والمؤثرات الاقتصادية حاكمة.
ففي قضايا النفط والطاقة، بشكل عام، والتي تؤثر في الاقتصاد الكلي وتتأثر به بشكل أكبر، لا يمكن بناء القرارات الاستثمارية الكبيرة، كإدخال الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الكهربائية أو إزالة الدعم الحكومي على مشتقات النفط، على أساس النتائج من نماذج " التوازن الجزئي".
ومن المثير للإستغراب أن تكون حصة التوازن الكلي مجرد %4، وهو مؤشر على عدم قدرة كوادر المركز على بناء مثل هذه النماذج. من جهة أخرى، لا يعقل أن تكون نسبة الإقتصاد القياسي لا تتجاوز %2، ما يعني أنه تم إلى الآن إنجاز ثلاث أوراق بحثية، وكلها تتمحور حول موضوع واحد هو "كفاءة المباني في حفظ الطاقة في المملكة والدول الخليجية". ومن المثير للإستغراب أيضا، وجود أكثر من ربع الأوراق البحثية بدون منهجية بحثية واضحة!
كل هذه الدلائل تثبت ضعف قدرة أدارة الأبحاث في كابسارك في توجيه أجندة عملها لإنجاز أبحاث ذات قيمة، وعدم التوفيق في استقطاب باحثين أكفاء قادرين على الإسهام بعلمهم وخبراتهم في تحقيق أهداف المركز، وطبعا لايخفى عليكم ان هذا تسبب جليا بعد سيطرة الأجانب على إدارة الأبحاث في كابسارك!
النماذج الاقتصادية التي استخدمت في الأوراق البحثية للمركز بلغ تناولها الأبحاث لقضايا المملكة، نسبة %21 فقط، أي أن قضايا المملكة الاقتصادية لا يتم تناولها إلا في ورقة من كل خمسة أوراق تقدم، وهذه نسبة هزيلة إذا ما قورنت بالمراكز البحثية الأخرى حول العالم، والتي تتناول القضايا الوطنية بنسبة تفوق ال %50.
وفي وطن نتطلع فيخ إل أبحاث إقتصادية محلية بناءة تعكس رؤيتنا المباركة وتطلعاتها، ونتوق لبناء قراراتنا التنموية على أسس علمية متينة، يعتبر هذا الأمر مثير للدهشة والسخط في نفس الوقت، وهو دليل دامغ ومؤشر آخر على ضعف إدارة الأبحاث في كابسارك على توجيه دفة أجندة الأبحاث نحو الأهداف المرسومة، ولله الحمد والشكر والثناء أن رؤية 2030 جاءت بتصحيح شامل، إحدى أوجه هذا التصحيح هو إعطائنا سقف حرية لنواكب هذا التصحيح بالنقد البناء!
نسبة تناول الأوراق البحثية للدول المختلفة كبير!، حيث تصر إدارة البحث الأجنبية في كابسارك وبطريقة عبثية فيما يظهر على توجيه فرق بحثها للعمل في بحوث مستنسخة تم تناولها، أو يتم اختيار مواضيع تم التطرق لها وقتلت بحثا في كل بقاع المعمورة ما يجعل الفائدة منها تكاد تكون معدومة، ولا تلامس أهداف المركز المعلنة، وفي بعض الأحيان يتم بحث مواضيع فضفاضة ذات أبعاد كثيرة من غير تركيز البحث على بعد بعينه!
أما منهجية البحث فهي قاصرة، وأقرب ما تكون للعمل الأكاديمي في اغلب الأحيان، وكأن جمهورها المستهدف بهذا العمل هو العاملون في القطاع الأكاديمي وليس صناع القرار.
في المقالات القادمة سوف نستعرض بإذن الله الأسباب التي أدت إلى عدم نجاح كابسارك عن تحقيق أهدافه؟!
د. فيصل مرزا
مستشار في شؤون الطاقة وتسويق النفط، مدير دراسات الطاقة في منظمة أوبك سابقا