للتقية والكذب قصة مع الإخوان، وهذه القصة مستمرة منذ عهد المؤسس حسن البنا إلى وقتنا هذا، لم يتخلَّ الإخوان عن «تقيتهم» هذه فى أى لحظة من اللحظات، آمن حسن البنا بـها واعتبرها أصلاً من أصول العمل الحركى للجماعة، وآمن بها كل من جاء بعده، وتقية الإخوان لا تختلف عن تقية الشيعة فى شىء، فهم يعتبرونها وسيلة من وسائل التمكين، يسلكون سبيلها ليتقوا «الكفار»! ويتوسعون فيها حتى أصبحت أصلاً، تقية الإخوان والشيعة هى هى، لا فرق بينهما، إذن ما هى قصة الإخوان تاريخياً مع التقية؟ يحدثنا التاريخ أن الجماعة عندما كانت فى بدايتها، وبينما الإنجليز يتلاعبون كما يشاءون بالملك فؤاد ويحركونه كيفما شاءوا، يأخذون منه ما يريدون، ويسلبون إرادته حتى صار مطية لهم، فكرهه الشعب أيما كراهية، إلا أن الإخوان كانت لهم حاجة عنده وعند نظامه، فضلاً عن صلتهم بالإنجليز، تلك الصلة التى أوردها الإخوان فى تاريخهم تلميحاً، وأوردها الباحثون تصريحاً، لذلك استخدم «البنا» التقية مع «فؤاد» وهو يخاطب الجماهير، وقال إن الملك فؤاد هو «ذخر للإسلام»! وبعد أن انتهى عهد فؤاد جاء عهد ابنه فاروق الأول، وإذ أراد البنا الاستحواذ على فاروق أرسل له فرق الإخوان المسلمين تصطف فى الطرقات لاستقباله ولتهنئته على سلامة العودة للبلاد لتسلم الحكم، وتمر السنوات ويقع فاروق فى أتون الفساد، فخرجت المظاهرات ضده منددة بفساده ورعونته ونزقه وعلاقاته النسائية وإدمانه للقمار، إلا أن البنا رسم لنفسه طريق التقية فوصف فاروق ساعتئذ بقوله إنه «ضم القرآن إلى قلبه ومزج به روحه». وعندما تحرك مصطفى النحاس، رئيس حزب الوفد، على المستوى الشعبى والبرلمانى مطالباً بتقليص الصلاحيات الدستورية للملك فاروق، وخرجت المظاهرات الشعبية من كل الأحزاب والتوجهات السياسية تهتف «الشعب مع النحاس» فإذا بمظاهرات إخوانية تخرج لهم وكأنها جحافل مختبئة فى كهوف سرية، والغريب أن هتافات الإخوان لم تنضم لمظاهرات الوطن، ولم تطالب بما طالب به الشعب، ولكنها انحازت لفاروق، فأخذت تهتف وكأنها تتعبد لله «الله مع الملك»! وكأن البنا أخذ عهداً على الله أن يكون الله مع الملك! ويستمر التاريخ فى فضح تقية الإخوان، تلك التقية التى استخدموها فى مواجهة المجتمع المصرى بأكمله، حتى إن المؤرخين المحسوبين على جماعة الإخوان، والذين تحالفوا معها فى أوقات كثيرة، ومنهم المستشار طارق البشرى، أبدوا استعجابهم من موقف الإخوان الذى كان مؤيداً ومتحمساً لرئيس وزراء مصر إسماعيل صدقى الذى كان ملقباً بـ«عدو الشعب» وعن التحالف بين البنا وإسماعيل صدقى يقول طارق البشرى: «مع كل ذلك، يبقى تأييد الإخوان لإسماعيل صدقى عصياً على التبرير، فصدقى بأى معيار من المعايير هو رجل المصالح الأجنبية فى مصر». لم يستطع البشرى تفسير تحالف البنا مع إسماعيل صدقى، مع أن طارق البشرى نفسه تحالف مع الإخوان فى كتابة تعديل للدستور هو الأسوأ فى تاريخ مصر! حتى إن كثيراً من الكتّاب، وأنا منهم، أطلقوا عليه «عدو الشعب»، ولكن الذى لم يره «البشرى» أن «البنا» تحالف باللسان والعمل مع إسماعيل صدقى من باب التقية، حتى يستطيع من خلاله الوصول إلى التمكين الذى يراه، تماماً مثلما تحالف الإخوان مع البشرى ليضع لهم مادة فى الدستور تمنع الطعن على قرارات لجنة الإشراف على الانتخابات حتى يسمح للإخوان بالتزوير من خلال آلتهم البشرية الضخمة، فإذا ما تم التزوير عجز الشعب عن الطعن قضائياً على تغيير إرادته ووصل الإخوان للتمكين الذى يريدون! أما القصة الواضحة التى تُظهر عقيدة التقية لدى الإخوان فهى تبدأ بعبارة شهيرة قالها البنا هى «ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين»، ولهذه العبارة قصة، وهى قصة مرتبطة باغتيالات وتخريب وحرق وقتل، كان الإخوان قد قتلوا أحد المستشارين من رؤساء محاكم الجنايات اسمه المستشار الخازندار لأنه أصدر حكماً بسجن أحد الإخوان، ومن بعده قتل الإخوان النقراشى باشا رئيس وزراء مصر، ثم تم القبض على خلية إخوانية وهم فى سيارة «جيب» يحملون مفرقعات وخططاً لحرق القاهرة، وبدأت النيابة العامة فى التحقيق فى هذه القضية التى عُرفت بقضية السيارة الجيب، ولأن القضية كانت بمثابة مسمار فى نعش الجماعة فى هذا العهد لذلك حاولت الجماعة التخلص من أدلتها، فتحرك النظام الخاص وقام بمحاولة لتفجير المحكمة التى يوجد بها ملف القضية، وانكشف الأمر أمام جهات التحقيق والرأى العام، وأمام هذه المشكلة الكبيرة قام حسن البنا بإصدار بيان يتبرأ فيه ممن قاموا بهذا الفعل وقال فى بيانه عنهم إنهم «ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين»، وعندما وصل خبر هذا البيان للإخوانى الذى قتل محمود فهمى النقراشى، رئيس وزراء مصر، ما كان منه إلا أن بادر إلى الاعتراف الكامل بجريمته وبالمحرضين والمساهمين والمشتركين معه، وعن هذا البيان ونفسية القاتل عبدالمجيد أحمد يقول محمود الصباغ، أحد كبار رجال النظام الخاص: «وقد هللت أجهزة الحكومة مدعية أن الغرض كان نسف المحكمة، وبالغت أبواق الاتهام تهيئ الجو للقضاء التام على الإخوان المسلمين، مما اضطر المرشد العام إلى إصدار بيانه (ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين) ليساعد على تخفيف حدة الضغط على الإخوان، وهو أمر جائز شرعاً فى الحرب ويُعد من خُدعه، كما أوضحنا عند ذكر سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم لاغتيال أعداء المسلمين، ولكن الأخ عبدالمجيد أحمد حسن لم ينتبه إلى ذلك، وتأثر بالبيان تأثراً قاده إلى الاعتراف على إخوانه». هذا هو الرأى الذى وضعه محمود الصباغ تبريراً لبيان حسن البنا «ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين»، كلماته واضحة بأن حسن البنا استخدم التقية، أو الخداع والكذب، ثم يقول إن التقية هنا جائزة لأنها «أمر جائز فى الحرب»، وأجرى محمود الصباغ، القطب الإخوانى التاريخى، مقارنة فقهية بين قتل الإخوان لمحمود فهمى النقراشى، المصرى المسلم الوطنى الذى كان من قادة الشباب فى ثورة 1919، وبين سرايا أرسلها الرسول صلى الله عليه وسلم لقتال أعداء المسلمين، وعاب «الصباغ» على عبدالمجيد أنه لم يفهم التقية وغابت عنه فاعترف! كان هذا فى ماضى الإخوان، ومع ذلك فإننا لا بد أن نترك التاريخ القديم لندخل إلى حاضر تلك الجماعة، فقبل ثورة يناير وبعدها حين كشف بعضهم للرأى العام أن الإخوان عقدوا صفقة مع نظام مبارك عام 2005 خرجت القيادات تقسم بالله العظيم، والعيش والملح «وتـُربة أبوهم» إن الإخوان لم يعقدوا صفقة وإنهم أبرياء من هذه الفرية اللعينة والكذبة المفضوحة، ثم بعد أن مرّ على السنين سنين وقامت الثورة المصرية خرج المرشد السابق الرجل الصريح الأستاذ مهدى عاكف وقال: نعم عقدنا صفقة مع النظام السابق عام 2005 وجلسنا مع شخصيات أمنية كبيرة، واتفقنا على كل شىء، ثم التزم نظام مبارك بالصفقة فى المرحلة الأولى للانتخابات وقتها، ثم نكل عن الاستمرار فى الصفقة فى المرحلتين الثانية والثالثة! هل تريدون المزيد من الحكايات الطريفة عن تقية الإخوان وموقفهم عندما يفتضح المخبوء فى أقبيتهم؟ عندك صفقة بيعة الإخوان لمبارك عام 1987، إذ وقف المستشار مأمون الهضيبى وقت أن كان رئيساً للهيئة البرلمانية ليعلن بيعة الإخوان لمبارك، وقال فى بيعته: «وجدناك شريفاً فبايعناك، ووجدناك أميناً فبايعناك، ووجدناك وطنياً فبايعناك». وعندما وعد مرشد الإخوان محمد بديع الشعب المصرى بأنه لن يترشح أحد من الإخوان فى انتخابات الرئاسة، إذا بالجماعة بعدها تقرر خوض انتخابات الرئاسة، وهو الأمر الذى يعتبر نكولاً عن الوعد، فكتب أحد شيوخ الإخوان، ويُدعى الشيخ فوزى شداد، فى موقع «إخوان أون لاين» يوم 21/4/2011 دراسة شرعية تدور حول جواز النكول عن الحلف والوعد ثم أداء الكفـَّارة!! وقد نستمر فى الكتابة ولا تفرغ أكاذيب الجماعة وتقيتها، ولكن يجب أن يعلم القارئ أن ما ذكرته كان نقطة فى بحر أكاذيب الإخوان. *نقلاً عن "الوطن"