الاتحاد - من يمعن النظر في تاريخ «الإخوان»، فكراً وممارسة، يدرك أن هناك دوماً حظاً وافراً للتحايل، الذي تركز بالأساس حول ثلاث مسائل مترابطة، أو ينفتح بعضها على بعض ويكمله، وهي: السلطة والحسبة والعنف. ففي الأولى رفعوا تمويهاً شعار «لسنا طلاب سلطة»، وفي الثانية نفوا تبنيها وتركوها ل«أهل الحكم»، أما الثالثة فتنصلوا منها، وأنكروا دون انقطاع كل ما نسب إليهم من أحداث اغتيالات وتخريب وإرهاب ومهاجمة دور سينما وملاهٍ وحانات قبل ثورة 1952.
والتحايل مسلك قديم لدى «الإخوان»، وهنا يقول جمال البنا الأخ الأصغر لمؤسس الجماعة في كتابه «رسائل إلى الدعوات الإسلامية»: «كان حسن البنا يعمل بطريقة مرحلية، وكان قد وصل إلى مرحلة الحشد التي جمع فيها الجماهير تحت شعارات ومسلّمات وأصول عامة، وأنه يجب أن تأتي مرحلة الفرز والتمييز والتحقيق، سواء بالنسبة للأعضاء أو الموضوعات».
وجاء في رسائل حسن البنا نفسه ما يدل على أن هذا التحايل يرتبط بالتريث والصبر حتى تأتي لحظة التمكن، فها هو يقول مخاطباً أتباعه: «أيها الإخوان المسلمون وبخاصة المتحمسون المتعجلون منكم.. إن طريقكم هذا مرسومة خطواته موضوعة حدوده، ولست مخالفاً هذه الحدود التي اقتنعت كل الاقتناع بأنها أسلم طريق للوصول.. لقد خاطبت المتحمسين منكم أن يتريثوا وينتظروا دورة الزمان، وإني لأخاطب المتقاعدين أن ينهضوا ويعملوا، فليس مع الجهاد راحة»!
ويعلق الكاتب المصري صلاح عيسى على تحايل «الإخوان» في تهكم قائلًا: «ثبت أن ذكاء الإخوان السياسي فوق مستوى الشبهات، وهو ما تأكد من الطريقة التي تعاملوا بها مع الاحتلال، إذ تعاملوا معه بحجمهم الحقيقي لا بأهدافهم التي أعلنوها تدريجياً وفيما بعد. وكما نجحوا في خديعة شركة قناة السويس، وحصلوا منها على منحة وصلت إلى خمسمائة جنيه، رغم أنها شركة تعمل لمصلحة الاحتلال، فقد آثروا أن يكفوا عن أي نشاط سياسي خلال سنوات الحرب يعرضهم للعصف بهم، على العكس أخذوا فرصة للانتشار والتوسع وتصرفوا بذكاء جعل سلطات الاحتلال الإنجليزي في مصر ترضى عنهم رضاء تاماً، ففي بداية الحرب العالمية الثانية ضيقت هذه السلطات على كل القوى السياسية الوطنية ولم ينج من هؤلاء سوى الإخوان».
وطيلة تاريخهم اعتاد «الإخوان» التحايل مع المسائل أو القضايا الكبرى التي تواجه المجتمعات، ولاسيما في المجال السياسي. وهنا يقول د. جمال سند السويدي في كتابه «السراب»: «هناك كثير من الدلائل والممارسات السياسية للإخوان المسلمين تدل على أنهم أخذوا بالديمقراطية مجبرين، وحاولوا تكييفها مع أيديولوجيتهم في خطوة تكتيكية تحايلية لأنهم يدركون أنها، في ظل الظروف القائمة، طريقهم الوحيد للوصول إلى السلطة، لذا فقد أظهرت الجماعة مرة أخرى انتهازية وتقية سياسية واضحة»، والأمر نفسه ينطبق على موضوع «الحسبة» إذ يدور حولها فكر «الإخوان»، دون أن يسمي الأمور بمسمياتها كما تفعل الجماعات الأخرى، وهذا أمر طبيعي من جماعة تؤمن بالتقية، وتظهر دوماً غير ما تبطن، لاسيما إن تعلق الأمر بموقفها من حيازة السلطة السياسية، وارتكاب العنف والإرهاب.