لعقود طويلة لم يكن مصطلح "الإخوان المسلمين" مستخدما في ثقافة ووعي المواطن السعودي؛ وأغلب السعوديين حينما ظهرت هذه "الجماعة" مع وهم ثورات الربيع العربي تعاطفوا معهم بحسن نيّة على اعتبار أنهم يحملون رسالة نشر قيم الدين ومحاربة العلمانية، ولم يدرك خطورة ما يتاجر به الإخوان سياسيا باسم الدين لأجندات سياسية مشبوهة، وبظلّ هذه النظرة السطيحة السائدة؛ كان هناك قلة من الحركيين "الإخونجية" من بعض شيوخ وأكاديميين ومثقفين أنتجتهم وسوقتهم الصحوة، ثم تطورت طموحاتهم إلى حركية سياسية تحت عباءة الجماعة الدولية، ومع الأسف على قلتهم ظلّوا لسنوات يستغلون عدم استخدام هذا المصطلح بشكل واضح وجهل الكثيرين، متبعين سياسة التلون ومداعبة العامة بحلم لزج يزعم عودة "الأمة الإسلامية القويّة"؛ وهو بحسب التصور الإخونجي عهد الخلافة! فما مصير هذه الأوطان؟! تتحول إلى مجرد ولايات تتبع الخليفة!!
هل أقول: خليفة !! ؟
إذا أين "الديموقراطية" و"الحريّة" التي يروجونها اليوم !؟ هل التبعية لخليفة هي الديموقراطية؟! والتي باتوا يتسولون بها تجارتهم السياسية لاستعادة الخلافة!!
حسنا، لماذا هذا الحلم المطاطي اللزج "الخلافة الإسلامية" ؟!
إنه بحسب تسويقهم لاسترجاع الأقصى! "فلسطين" القضية التي يشحذ خلالها "الجماعة" الأموال وعواطف الناس؛ لكن الإخونجية ذاتهم لا ضير لديهم بأن يضيعوا القاهرة والرياض وأبو ظبي وتونس والجزائر وكل الدول العربية لتكون مثل "فلسطين" أيضا! تحت سلطة الصهيونية التي وجدت فيهم خير وسيلة لتفتيت الأوطان العربية!
إن ما لا يمكن تجاهله هو اعتبار الفكر الإخواني فكر قطبي دموي؛ يُروج باسم "الحريّة" تحت اسم الجهاد المشوه! ومن عباءتهم خرج بن لادن وغيره من زعماء الجماعات الإرهابية؛ ولا يمكن لأحد أن يُنكر بأن بن لادن كان اخوانيا! قبل أن يصبح قائدا للجناح العسكري فيما يسمى بالقاعدة والتي يتبرؤون منها رغم أن الإخواني الماسوني "سيد قطب" أبرز منظري القاعدة وداعش وأذيالهما! وما تمتع به الإرهابيون في عهد محمد مرسي يثبت العلاقة بين الإخوان والقاعدة؛ فلا يمكن نسيان إفراج الرئيس المعزول عن عدد من المعتقلين على ذمة قضايا متعلقة بالإرهاب؛ ولا يُنكر أحد أن حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان في 1939م أسس ما يسمى بالجهاز السري يتم فيه التدريب على العنف والاغتيالات وتصنيع القنابل، ومن أشهر اغتيالاتهم اغتيال الإمام يحي بن حميد الدين حاكم اليمن عام 1948؛ والرئيس المصري أنور السادات وغيرهما؛ وتطور هذا الجهاز ليكون مصنعا للانتحاريين وعمليات إرهابية وفي عهد مرسي المعزول نشط نشاطا واضحا في سناء، إذ سعى خلاله الإخوان لتكوين مليشيا على موّال "حزب الله" الشيعي الوجه الآخر لذات العملة !!
لكن ماذا عنهم في السعودية!؟
حين نعود للوراء نتذكر أول محاولة لتسلل الإخوان إلى السعودية؛ كان ذلك في حج 1936م حين التقى مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر حسن البنا جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود ـ طيب الله ثراه ـ ليطلب منه السماح بفتح فرع لجماعته في السعودية، لكن الملك المؤسس ـ رحمه الله ـ رفض طلبه ورد عليه بمقولة ذكية وشهيرة "كُلنا أخوان مسلمين" .
منطق الرفض لهذه الجماعة كان صحيحا؛ فما الداعي لتأسيس فرع لها تحت هذا الاسم في مجتمع جميع أفراده مسلمون؛ كما أن الإسلام دين عظيم لا يحتاج إلى حماية مزايدات سياسية ! لكن هدف البنا كان اكتساب المزيد من الشرعية بأن يكون لجماعته مقاما في أرض الحرمين الشريفين؛ بجانب استغلال موسم الحج لنشر أجندتها المتاجرة بالإسلام.
فواجه الرفض السعودي وسبّب "غُصة" لدى البنا وجماعته، وناصبت الجماعة العداء "تُقية" و "نفاقا" للسعودية منذ ذلك الوقت، واستمروا بذلك حتى بعد أن استقبلتهم بحسنّ نية وأكرمتهم ضمن نسيجها الاجتماعي حين هربوا من دولهم نتيجة توتر علاقتهم مع حكوماتهم التي فطنت لغدرهم؛ خاصة إخوان مصر فترة عبد الناصر والتي كانت علاقته في الأساس متوترة مع السعودية آن ذاك .
ومن أراد أن يعرف حقد جماعة الإخوان على الخليج عليه تذكر وجه الجماعة القبيح الذي ظهر داعما لغزو صدام حسين للكويت رغم الجرائم والمجازر البشعة التي ارتكبها جيشه ونهبه ثروات الكويت؛ حيث خرج "الإخوان " يؤيدون الغزو الغاشم مع أن صدام ينتمي لحزب بعثي يتعارض تماما مع منهجية لجماعة؛ وباعتراف بعض المنتمين للإخوان أنفسهم قالوا :أن هناك من قابل صدام وتفاوضوا معه لاستلام الحكم في الكويت ليقفزوا على السلطة !!؛ ثم ظهرت محاولة أتباعهم الإخونجية في السعودية من بعض شيوخ الصحوة الذين تلوثوا بالحركية؛ فخرجوا لتعطيل تحرير الكويت آن ذاك، والتشويش على الناس بتحريمهم دخول الجيش الأمريكي على اعتبار أنه سيغزو جيش مسلم يتمثل في الجيش العراقي!! متناسين دماء وأعراض الكويتيين التي أهدرها !! لكنها المصالح التي تتفق مع غايات جماعة الإخوان وبحثهم المستميت عن السلطة بتقديم دماء الأبرياء تحت شعارات برّاقة تداعب عواطف الناس الدينية تمهيدا لاستعبادهم بدكتاتورية دينية كما أسميها "ديموقرادينية" تشبه تماما نظام ولاية الفقيه في الشريفة "إيران" إلا أنها ضمن ولاية المرشد العام ا!
وصحيح أن الإخوان لم يستطيعوا تأسيس فرع لهم في السعودية بعد رفض طلبهم من قبل الملك المؤسس ـ طيب الله ثراه ـ لكنهم وبسبب ممارستهم "التقية" أو "التلون" طبعهم؛ استطاعوا استغلال سياسة حسن النيّة السعودية حين استقبلتهم من مبدأ أخوة الدين حين جاؤوا مضطهدين واستغلال كونهم من حملة الشهادات التعليمية وحاجة السعودية و دول الخليج التي كانت تبني نفسها مع بداية ظهور البترول إلى أن يعملوا في أماكن حيوية كالإعلام والتعليم والصحة وأكثرهم اشتغلوا في التعليم ، لكنهم لم ينسوا فكرهم الحركي، فحاولوا دس تلوثهم وأفكار "سيدهم" القطبية المتطرفة في المناهج التعليمية حينها؛ وكنتُ وكثيرون من ضمن الذين درسوا أفكار سيد قطب على اعتباره شهيدا نترحم عليه!! حتى في دراستي الجامعية لمادة الأدب الإسلامي؛ ثم دارت علي الأيام حين أصبحت مُحاضرة بالجامعة لأقوم بتدريسها؛ وكنتُ مطالبة ضمن مفردات المنهج بتدريس كتاب سيد قطب "خصائص التصور الإسلامي" كمرجع من مراجع مادة الأدب الإسلامي، لكني اجتهدتُ حينها وتجاهلته كمرجع، مما أثار علي بعض المشاكل آن ذاك.
ورغم قبح وجه "الإخوان" التاريخي إلا أنهم يستغلون جهل الأجيال الجديدة من الشباب والتي لم تُدرك زمنيا مواقفهم التاريخية الرديئة، بظلّ عدم اهتمام الأجيال ذاتها بالبحث والقراءة التاريخية عنهم خاصة في علاقتهم الوطيدة بالماسونية ! .
مهلا هل قلتُ "الماسونية" !؟ هذا ما سأتناوله في مقال قادم .