كان خيار الإسرائيليين بين إرهابي معروف وآخر محتمَل أو مموّه، وغالبية منهم اختارت الإرهابي «اللي تعرفه» فأعلنت أنها مع الاحتلال والتدمير وقتل الأطفال. بعد سقوط النظام العنصري في جنوب أفريقيا أصبحت إسرائيل الدولة العنصرية، أو النازية الجديدة، الوحيدة في العالم، وهكذا فأبناء وأحفاد الناجين من النازية يمارسون ما فرَّ أهلهم منه. بنيامين نتانياهو أعلن عشية الانتخابات أنه لن يقبل دولة فلسطينية طالما هو رئيس وزراء إسرائيل. إذا كان لي أن أترجم هذا الكلام إلى لغة يفهمها القارئ فهو يشجع على انتفاضة ثالثة أو رابعة أو خامسة. وربما أتى إرهابي مثله بأحد أسلحة الدمار الشامل، من نوع كيماوي مثلاً، واستعمله. انتصار ليكود يعني أن الناخب الإسرائيلي ليس أذكى من الناخب العربي، ونتانياهو نجح في تخويف الإسرائيليين من قنبلة نووية إيرانية، غير موجودة، وإسرائيل تملك ترسانة نووية، والجماعات الدينية المتطرفة في بلادنا أقنعت غالبية من الناس في عدد من البلدان العربية بأنهم سيرون أنهار السمن والعسل من دون أن يعملوا. فريق نتانياهو عمل على إخافة اليمين بأرقام عن تقدم الوسط واليسار. والأرقام التي أمامي تقول إن ليكود حصل على 30 مقعداً مقابل 24 مقعداً للاتحاد الصهيوني الذي قاده اسحق هرتسوغ. وسجل الفلسطينيون أصحاب الأرض الأصليون والوحيدون رقماً طيباً هو 14 عضواً ليصبحوا القوة الثالثة في الكنيست. الأرقام لا معنى لها فمنذ تأسيس إسرائيل في أرض فلسطين، وكل حكومة فيها كانت ائتلافاً من أحزاب عدة، وهناك حديث عن «ائتلاف كبير» بمعنى أن يضم ليكود والاتحاد الصهيوني، إلا أن لدى نتانياهو خيارات أخرى، فهو يستطيع بناء تحالف من أحزاب اليمين والأحزاب الدينية المتطرفة، ليواصل سياسة قتل الفلسطينيين من دون معارضة داخل الائتلاف، وبتأييد من الكونغرس الأميركي. لا أحتاج أن أقرأ في كرة بلورية غير موجودة، وإنما ننتظر لنرى نوع الحكومة الجديدة فهي ستعلن خلال أيام قليلة، وما أجزم به فقط هو أنها ستكون إرهابية ككل حكومة سابقة لنتانياهو. هو لو لم يفز في انتخابات 1996 بفارق نصف نقطة مئوية على شمعون بيريز لكانت عملية السلام استمرت خلال ولاية بيل كلينتون الثانية ونجحت، ولكان مئات الإسرائيليين وألوف الفلسطينيين لا يزالون أحياء اليوم. إلا أن نتانياهو ترك الحكم في 1999، ولم يبقَ لكلينتون في البيت الأبيض غير أسابيع قليلة، فانتهى اتفاق الأطر بالفشل وجاء أرييل شارون ليستمر الإرهاب الإسرائيلي. على هامش الأيام الأخيرة كان هناك فجور سياسي آخر اشتركت فيه حكومة نتانياهو مع إدارة أوباما، وليس مع الجمهوريين في الكونغرس فقط. حكومة الرئيس محمود عباس تريد الذهاب إلى محكمة جرائم الحرب الدولية، فثمة موعد مقترَح هو أول الشهر المقبل. وحكومة الإرهابيين في إسرائيل أوقفت دفع حصة السلطة الوطنية من الضرائب وهددتها، وإدارة أوباما أعلنت أنها قد توقف المساعدات إلى الفلسطينيين إذا أصروا على اللجوء إلى محكمة العدل الدولية. بأبسط عبارة ممكنة وأوضحها، لولا أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب، ولولا أن الولايات المتحدة كانت شريكتها، لما كان هناك خوف من المحكمة الدولية. الناخب الإسرائيلي يدين نفسه وكذلك تفعل حكومة إسرائيل والإدارة الأميركية. *نقلا عن "الحياة"