تأثراً بالسياق المصري، وُصِم دعاةُ حقوق المرأة في العالم العربي بأنهم دعاة تغريب وربما إلحاد. إذ اعتبر الكثير من الإسلاميين أن هناك ارتباطاً مباشراً بين الدعوة لحقوق المرأة وبين الاستعمار، ولاسيما في العالم العربي، وبأن تحرير المرأة مؤامرة على الأمة الإسلامية، يراد منها إخراجها من بيتها ودينها؛ من أجل إيجاد جيل منفصل عن دينه وهموم أمته، يكون فريسة سهلة لأطماع الآخرين. هذه الرؤية التبسيطية لوضع المرأة في العالم العربي والإسلامي انتشرت على نطاق واسع، حتى إنها تسربت إلى أدبيات بعض المشايخ وعلماء الدين في الدول الذي لم تُستعمر تاريخياً، ولم تتبنَ السلطات السياسية فيه مشاريع راديكالية ضد الدين أو الموروث على غرار مشاريع شاه إيران، أو أتاتورك تركيا، إذ نجد مثالاً على تسرب هذه الرؤية في الخطاب المعارض لتعليم البنات في السعودية خمسينات القرن الماضي، إذ تجد الخطاب الرافض لتعليم البنات ملتبساً بشكل كبير بالخوف من المد الاستعماري والتغريب الذي لم تعاصره أجزاء واسعة من المملكة. هذه النظرة السلبية لقضية المرأة ما زالت مستمرة اليوم، بتضخيم خطاب هجائي ضد المهتمين بقضايا المرأة واعتبارهم أدوات مشاريع غربية...الخ، من دون النظر إلى حقيقة ما تحتاج إليه المرأة في العالمين العربي والإسلامي، وإيصال صوتها إلى الإعلام والسلطة. في كتابه الطريف "خارج السرب: بحث في النسويّة الإسلامية الرافضة وإغراءات الحرية" يبحث فهمي جدعان المسألة النسوية في العالم الإسلامي، من خلال تسليط الضوء على تجربة من يسميهن "النسويّات الرافضات" واللواتي أطلق عليهن هذا الاسم بسبب موقفهن المزدوج الرافض للهيمنة الذكورية والدين في آن واحد، كما يشير جدعان بشكل عابر إلى "النسِوية الإسلامية التأويلية" وهي التي تحاول إعادة تأويل الدين من دون معاداته أو الخروج عنه من أجل مواجهة الهيمنة الذكورية. وينتمي إلى التيار النسوي المتصالح مع الدين، بحسب جدعان باحثات أمثال أمينة ودود وأسماء برلاس ورفعت حسن. يرى فهمي جدعان أن أبرز مبادئ "الحركة النسوية الإسلامية" إيمانهن بأن للمرأة الحق بأن تأويل "النص الديني"، مثلها مثل الرجل متى ما امتلكت المقدرة العلمية مثلها مثل الرجل. لذا لم يكن موقف النِسويّات الإسلاميات أكثر من محاولة قراءة القرآن والحديث، بعيداً عن تأويلات الفقهاء التي يرى بعضهن أنها مغرقة برؤية اجتماعية تأول الدين وفق تراتبية تتيح هيمنة الرجل كحال المجتمع الإسلامي لحظة تأسيس الخطاب الفقهي. في مقابل هذه الرؤية، تأتي الحركة النسوية الرافضة، متمثلة بتسليمة نسرين، وأيان حرسي، وإرشاد منجي، ونجلاء كيليك، اللواتي ينحدرن من مجتمعات إسلامية مختلفة ثم هاجرن إلى أوروبا وأميركا الشمالية حيث بدأن بالتعبير عن آرائهن هناك. يرى فهمي جدعان في تقويمه للنسويات الرافضات بأنهن فشلن إلى الفصل بين الثقافة والدين، وبأن تصورهن للدين الإسلامي يتَّسم بالتسطيح والاختزال، كما يرى بأنهن كشفن عن طبيعة إقصائية بتعمدهن استخدام لغة استفزازية ضد المقدس من خلال كتاباتهن الأدبية أو نشاطهن السياسية والإعلامي، هذه اللغة الاستفزازية لم تكن لتُسهم في إصلاح أوضاع المرأة (التي تحتاج إلى إصلاح) في المجتمع الإسلامي، كما يؤكد جدعان. وربما أبرز مثال على الرغبة المتعمدة في الاستفزاز والقراءة السطحية لوضع المرأة، الفيلم الهولندي الذي أنتجته أيان حرسي والذي يهاجم القرآن بشكل مباشر باعتباره سبب اضطهاد المرأة في العالم الإسلامي، لينتهي المسار بحرسي مغادرة لهولندا إلى الولايات المتحدة بعد أن فشلت في حياتها السياسية هناك، وشعرت بأنها غير مرغوب فيها، ثم بدأت بالخوف على أمنها الشخصي بعد مقتل مخرج الفيلم صديقها فان جوخ. يؤخذ على كتاب فهمي جدعان تركيزه على الحياة الشخصية وطفولة النِسويّات الرافضات، ووضع المسألة في إطار الفعل وردة الفعل، باعتبار أن طفولة هؤلاء النسوة المعذبة، واضطرارهن إلى الهجرة من مجتمعاتهن، وتعرضهن لتجارب مباشرة قاسية ووحشية من الأبوين أو الأقارب أدى بشكل مباشر إلى هذه الراديكالية في تصور مسألة المرأة في العالم الإسلامي. ربما في هذه الرؤية مقدار من الوجاهة، لكنها جاءت في سياق تعاطفي لجدعان مع موضوعه، لم ينكره وأقر به في كتابه. ربما أبرز إشكالات دعوات حقوق المرأة في العالم الإسلامي أنها لم تأتِ نتيجةً لتغير اقتصادي كبير. فبينما يمكن قراءة صعود الحركات النسوية في أوروبا بسبب تغيرات اقتصادية منحت المرأة استقلالاً، جعلها تتوق إلى تغيرات في وضعها الاجتماعي، لم يحدث أمر مشابه في معظم دول العالم الإسلامي. إذ ما زالت الأسرة تعتمد على الرجل بشكل كبير في تسيير وضعها المالي، وما زالت مشاركة المرأة أقل من إمكان القول بأن المرأة مستقلة في العالم الإسلامي، وهو ما يجعل نشأة تيار حقوقي نسوي أمراً تلقائياً. وربما أسهم عامل آخر في تراجع وضع المرأة في العالمين العربي والإسلامي، وهو اعتبار قضايا المرأة قضية تفاوض بين الدولة والتيارات الدينية، وهو ما جعل تسييس حقوق المرأة مضاعفاً. فالقضية لا تتعلق بالتفسيرات الدينية، أو العادات والتقاليد، وإنما أيضاً بالوضع السياسي بشكل مباشر. وربما كان الجدال المستمر حول الزواج المدني في لبنان مثالاً على حالات التسييس القصوى لقضايا المرأة والأسرة، إذ إن الزواج المدني يصطدم بشكل مباشر في بنية الطوائف، وهو ما يجعل معظم الزعماء السياسيين يرفضونه؛ من أجل ترسيخ الوضع السياسي القائم.