ينبئ الحراك السياسي الحاصل اليوم على المستوى الإقليمي عن دينامية دولية لتسوية الأزمة السورية التي تراوح مكانها منذ ما يقارب الخمسة أعوام دون أن تتقدم إلا في أعداد القتلى والجرحى الذين بلغت حصيلتهم نحو 220 ألف قتيل وملايين النازحين واللاجئين. إضافة إلى ذلك ما نتج عن هذه الأزمة من تحول سورية إلى دولة خطيرة تصدر الإرهابيين إلى العالم وتستقطبهم، وهو أمر يقلق الفاعلين الدوليين ويحفزهم على سرعة إنجاز اتفاق سياسي من شأنه إعادة ضبط هذه الدولة المتداعية وتدارك ما تبقى من مؤسساتها. إن تسارع النشاط الدولي بشأن سورية واتخاذه خطوات لم تكن واردة قبل عام من الآن يضعنا أمام احتمالات وجود حل هو قيد الإنضاج تحت نار القوى الكبرى وتحديداً موسكو التي يبدو أنها تشعر بضعف موقف الأسد وهزالة نظامه الذي اعترف صراحة بأن ليس بالإمكان القتال على كامل التراب السوري، وأن خسارة معركة لا يعني خسارة الحرب، وحديث بوتين لأردوغان بأن الأول يتجه للتخلي عن الأسد. وعلى الرغم من الحماسة الإقليمية والدولية من أجل إيجاد مخرج مناسب للأزمة السورية، إلا أننا أمام استحقاق مهم جداً من أجل تنفيذ أي مبادرة على الأرض وجعلها قابلة للعيش، يتمحور هذا الاستحقاق في ضرورة التحكم في القوى الفاعلة على الأرض، ونعني الفصائل العسكرية السورية التي تنخرط في عراك مسلح وتحارب بعضها البعض.. يجب أن ندرك بأن لها أجندة وقدرة على فرض قرارها بسبب امتلاكها السلاح والعتاد والموالين، كما أنها ساهمت في إلحاق خسائر بداعش وقوات النظام، ولا أدل على نفوذها إلا المفاوضات التي دارت مباشرة بين حركة أحرار الشام والحرس الثوري الإيراني في تركيا لصياغة مبادرة لإنهاء حصار الزبداني، يحدث ذلك مباشرة دون سياسيين أو وسطاء من أي طرف. لذا فإن من الضروري أن ندرك بأن الجهد المبذول من خلال القنوات السياسية مهم، لكن الفاعلين الدوليين سيجدون أنفسهم مجبرين على الحديث مع الفصائل المتقاتلة على الأرض من أجل إمضاء الحل السياسي، وأننا يجب أن لا نستغرب في قادم الأيام حدوث تواصل بين واشنطن وبعض الفصائل العسكرية المتواجدة في سورية، فرسالة لبيب النحاس مسؤول العلاقات الخارجية في حركة أحرار الشام والتي نشرتها الواشنطن بوست، ووصف فيها استراتيجية الرئيس أوباما بالفاشلة، ودعا إلى تغيير مفهوم "القوات السورية المعتدلة" أمرٌ ذو دلالة واعتبار سياسي بأن تنشر صحيفة أميركية محافظة رسالة لمنظمة تعتبرها واشنطن قريبة من تنظيم "النصرة". من جريدة الرياض