قد تكتب لأنك تحب الكتابة، وقد تبدع وأنت فقير مهموم و"حالتك حالة"، لكن الحالة الأكمل، أن تكتب وأنت آمن مطمئن شبعان ريّان. لا أعرف من قال "من رحم المعاناة يولد الإبداع"، ولكني لا أحب هذا الشخص، ومن يفكرون مثله، ولكنه بالتأكيد إما أن يكون "كفرانا"، أو صاحب دار نشر أو شركة إنتاج، يريد أن يتكسب من إبداع الآخرين دون أن يكسبوا مبالغ حقيقية. الكاتب الأميركي جيمس باترسون هو حامل الرقم القياسي في موسوعة "غينيس"، حين كان أول من يبيع مليون نسخة إلكترونية من كتبه، وثروته تقدر بـ 94 مليون دولار بحسب مجلة "فوربس"، وهو يعاني الآن ليكمل المائة مليون، إذ أن عمره 68 عاما! ستيفن كينغ الشهير بروايات الغموض والجريمة، والتي تحولت مجموعة منها إلى أفلام هوليودية، يملك ثروة تقدر بـ 39 مليون دولار، بحسب المجلة نفسها. مؤلفة سلسلة "هاري بوتر" للأطفال حققت ثروة "صغيرة" من الكتابة أيضا، لم تتجاوز 17 مليون دولار، غير ما تحققه من حقوق الأفلام التي انتشرت حول العالم، وقد كتبت كتابها الأول قبل أن يعرفها أحد، لكنها بعد ذلك أكملت السلسلة التي تفوقت على الجزء الأول وهي "تلعب بالملايين" كما يقولون. في صناعة التلفاز والسينما العربية، لا يزال الكتاب يجلسون في أدنى السلسلة الغذائية، ويتقاضون الفتات على إبداعهم، ولذلك انصرف المبدعون الحقيقيون، وتركوا المجال للمتردية والنطيحة، ممن يملكون الصبر على الكتابة الطويلة، ولكنهم يفتقرون إلى التميز "غالبا". المنتج يتقاضى عن المسلسل مبلغًا لا يقل عن مليون دولار، للأعمال "التافهة"، وترتفع المبالغ إلى أرقام أكبر بحسب أسماء النجوم، لكن في كل الأحوال، لا ينال الكاتب حتى 10% من المبالغ المصروفة على الأعمال، في الحالات الأعم. كتاب الرأي في صحفنا ينالون الفتات، متوسط مرتباتهم، - أو حتى مكافئاتهم لأن الغالبية ليسوا متفرغين للكتابة – لا تتجاوز 5 آلاف ريال على الأكثر، إلا النجوم بالطبع، وتجدهم يأخذون مبالغ لا تزيد أيضًا عن 30 ألف ريال، في نفس الصفحة التي تنتج للصحيفة ضعف المبلغ نفسه من الإعلانات! وللمقارنة فقط، في عام 2007 اجتمعت رابطة الكتاب الأميركيين في مجال السينما والتلفزيون والراديو على كلمة واحدة، مطالبين بنسبة من حقوق التوزيع التي تتمتع بها شركات الإنتاج دونهم، ورغم أن مدراء الاستوديوهات الهوليودية كابروا في البداية، إلا أنهم أذعنوا في نهاية الأمر، ووقعوا اتفاقية بعد 100 يوم من الإضراب عن العمل، وصار الكاتب الأميركي يتلقى أرباحًا من أعماله طوال حياته. الكتابة ليست هوى أو هواية فقط، هي عمل إبداعي، يتطلب أن يكون الشخص مستقل التفكير، متخلصًا من ضغوط العيش الأساسية حتى يستطيع أن ينتج أغزر وأجود. وللأسف، ارتبط الكاتب في أذهاننا بصورة من الفقر والعوز، وكم وكم يقضي شعراءنا وأدباؤنا وهم يعيشون تحت وطأة الديون وينتهي بهم الحال في مستشفى كئيب، يتمنى أن يكون قضى وقت إبداعه مع أحبابه بدلا من أن يكتب للعالم الذي لا يشعر بوجوده إلا بعد أن يموت! ثم إن دور النشر في عالمنا العربي، لا تحترم الكتاب، وتتعامل معه كسلعة، مع أن السوق يتيح لها الكثير من الخيارات التي يمكن أن تدر عليهم أرباحا كبيرة، ولكن حين تتعامل مع الكاتب كما تتعامل مع "المقاول"، فبالتأكيد لن يكون لديك أفكار حول تطوير مصادر الدخل من الكتب وأصحابها. الكاتب الجيد في الغرب، يتلقى دفعة مقدمة حين ينجز الفصل الأول من كتابه، ناهيك عن الأسماء التي تأخذ المقدم قبل أن تكتب حرفا واحدا أو تقدم فكرة، وهذا ما يجعلهم ينتجون إصدارات تقدم لهم ولدور النشر التي تدعمهم عشرات الملايين. صحيح أن منا من لا يزال يسخدم ورق الكتب للف السندويتشات، لكن هناك آلاف آخرون يتناقلون المنتج الجميل ويحتفظون به. في معرض الكتاب الأخير في الرياض، أكثر من مليوني شخص، وفقا لأقل التقديرات زاروا المعرض، لو اشترى كل واحد منهم كتابًا واحدًا بعشرة ريالات، لكانت الحصيلة عشرين مليونًا. الرقم ليس دقيقا، ومتوسط سعر الكتاب ليس بعشرة ريالات، لكن لو فكرنا فيها، الناس تقرأ وتشاهد السينما والتلفزيون، بل وحتى يوتيوب، فاحترموا أولئك الذي يفكرون ويكتبون لتنعموا بالملايين!