العالم اتفق على أن الآثار وكل منتج تاريخي، إرث بشري لا يجوز الاعتداء عليه أو تدميره، ووضعت أحكام وسجلات، حتى أن تضامناً عالمياً أثناء تدشين السد العالي بمصر وكانت ستغمر مياهه معابد (فيلة)، أن أثمر حملة عملت على إنقاذ تلك الآثار، وكان موقفاً مهماً أن تبرهن الأمم والشعوب على قيمة أي أثر وفي أي جغرافيا من الكون.. غزوات هولاكو الهمجية دمرت وأفنت وأحرقت مجهوداً بشرياً هائلاً وكانت إحدى ضحاياه مكتبات العراق التي قذفت موجوداتها في نهر دجلة وهي قائمة هائلة في أعمال علمية وثقافية رأى فيها ذلك المعتدي أنها عبث بشري لا يستحق البقاء، ومثله ما جرى في إبادة آثار أمريكا الجنوبية من قبل أسبانيا، ثم أمريكا ورأى حاملو شعلة المسيحية الأسبان أن تلك الأعمال هرطقات وثنية لا تستحق هي ومن أقاموها البقاء، بينما الاستعمار الأمريكي الشمالي حاول طمسها لتغييب أي رابط تاريخي لتلك الشعوب.. ماوتسي تونج كاد بثورته المسماة بالثورة الثقافية أو (ثورة البروليتاريا) تخريب جانب كبير من آثار الصين الثقافية والعمرانية لمجرد أن أعضاء بالحزب الشيوعي تحولوا عن مبادئه، وكادت أن تعصف بالبلد الكبير حرب أهلية.. مع (الخريف) العربي كاد المتحف المصري الشهير أن يذهب ضحية الفوضى العارمة حين اندس بعض المغامرين والمخربين للوصول إلى داخل قاعاته ونهب موجوداتها، إلا أن دروعاً بشرية مع الشرطة أوقفت الحادثة ومأساتها، وتلك النماذج من التاريخ والحاضر تكشف أن التفسير بتدمير تراث إنساني هائل من آلاف السنين، سواء جاء بفتوى دينية أو حماقات يقودها جهلة، فهي هدف، وقد رأينا ما حدث بأفغانستان من قبل متطرفي طالبان على تماثيل بوذية لم يعترض على وجودها كل من دخلوا الإسلام في عصر هذا البلد.. العراق يشهد موجة جديدة تماثل ما قام به (هولاكو) وهذه المرة تدمير إرث تاريخي لعصور العراق، وقد تشهد سورية، ثم ليبيا نفس الفظائع، والغريب أن صمتاً عالمياً شاملاً، وخاصة من دول التحالف التي تحارب بالمنطقة، تبدي تجاهلها لهذه المأساة التاريخية وعدم تحصينها، بينما حين اقتربت قوات داعش من محاولة تفجير السدود على الأنهر في مناطق تواجدهم، استطاعت طائرات أمريكية بدون طيار إبادة كل تلك العناصر وبأزمنة سريعة، وهذا يكشف أن إضاعة أي أثر في هذه المنطقة جزء من تدمير تاريخها ومحو ثقافتها وهوياتها القديمة.. العرب والمسلمون دخلوا بلداناً عربية وأجنبية، ولم نجد من قام بدور الهدام أو الفاعل في توطين الفوضى أسوة بما يجري من داعش وطالبان والقاعدة، وطالما هناك قوانين تحمي التراث البشري، فهل ما يجري في المنطقة شاهد على همجية فصيل يدعي الإسلام وهو يقوم بدور المدمر دون أن نرى أي استعداد لحماية موروث إنساني؟ لا نريد إدخال السياسة في نزع هويات تاريخية، ولكن لا نستبعد أي هدف من هذا النوع، لأن من قام بنهب وتغيير معالم قديمة وخرب لغات وقام بإخراجها من قواميس بلدانها، هو من يتفرج ويبارك ما يجري في بلدان عربية وإسلامية.. *نقلا عن "الرياض"