بي بي سي: يُعتبر استهداف مسجدين بمتفجرات في العاصمة اليمنية صنعاء، والذي أودى بحياة 140 وإصابة 350 شخصا، فصلا جديدا في مسلسل العنف الذي يعيشه البلد. لكن أهمية التفجيرات، التي أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" مسؤوليته عنها، لا تكمن في الخسائر البشرية الفادحة التي خلفتها. فإذا كان تنظيم الدولة هو وراء تلك التفجيرات بالفعل، فإن هذا لن يُزيد تعقيد الموقف في اليمن فحسب، وإنما سيكون له تأثير على الصراع الأوسع ضد التنظيم في المنطقة. فحاجة التنظيم إلى التوسع بخطى حذرة تعتبر من أهم ملامح استراتيجيته منذ الاجتياح الخاطف في العراق وسوريا العام الماضي، والذي منحه السيطرة على أراضي شاسعة ومهّد لإعلان دولة "الخلافة". وبما أن التنظيم يرى أنه في موقع الزعامة الشرعية لكل المسلمين في كل مكان وأنه مندوب الله في الأرض ليحكم كل مكان داخل وخارج حدود الدول الإسلامية، فإن عليه أن ينتشر. والتوسع كذلك أداة للتعبئة لصالح التنظيم. فالتوسع يبني على النبؤة التي تفيد بأن دولة إسلامية ستقوم حتما وأنها ستكون منيعة، وهو ما يحاول قادة التنظيم الترويج له. ومن خلال الاسم المميز، يسعى التنظيم إلى إقناع المسلمين بقبول سلطته والتعهد بالسمع والطاعة لمن يُسمى بالخليفة أبو بكر البغدادي. ولكن يبدو أن هناك خطأ في حسابات تنظيم الدولة. فالانتصارات المذهلة التي حققها تعكس مدى ضعف الدولة والانهيار المعنوي لخصومه في العراق بالإضافة إلى ضعف تسليح المعارضة في سوريا، بينما لا يمكن أن تكون نتيجة لبراعة التنظيم والتفوق القتالي لقواته. ودفع التنظيم الولايات المتحدة دفعا إلى التدخل في مواجهته من خلال ممارساته التي ظهرت في الفترة الأخيرة والتي تضمنت إبادة جماعية للايزيديين، وتهديد محافظة إربيل في الإقليم الكردي الذي يتمتع بحكم ذاتي، وإعدام رهائن أمريكيين. وأسهم التدخل الأمريكي في الحد من تقدم التنظيم في بعض المناطق وأجبر قواته على التراجع بعد التعرض لخسائر فادحة على أرض المعركة. ولكن لسوء الحظ، لم تنجح الضربات الأمريكية في إثناء القيادات الجهادية البارزة والجماعات المنافسة للتنظيم في المنطقة (أبرزهم قيادات القاعدة) عن إعلان البيعة والسمع والطاعة لأبي بكر البغدادي. في غضون ذلك، لم تكن الضربات الأمريكية لتنظيم الدولة قاصمة إلى الحد المطلوب. فالأوضاع المعقدة على الأرض في العراق وسوريا بالإضافة إلى المخاوف الأمريكية من التورط في حرب برية جديدة في الشرق الأوسط، كانت جميعها عوامل تضطر الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى تبني استراتيجية عنوانها الرئيسي الحذر والحيطة. ترتب على ذلك غياب الجهود التي يمكن أن تؤدي إلى استئصال التنظيم من معاقله وفشل الجهود المتواضعة التي يبذلها التحالف الرمزي الذي تقوده الولايات المتحدة في إقناع مؤيديه بأن مشروع "الخلافة" قد هلك عن آخره. بالمقابل، ما زال تنظيم الدولة متمسكا بشعار "البقاء والتوسع"، لكنه ما زال غير قادر على الاستمرار في التوسع على جبهة القتال. ولكنه في نفس الوقت قادر على إثبات استمراره وبقائه ونجاحه في أماكن أخرى بعيدا عن سوريا والعراق. في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2014، أعلن التنظيم قبوله بيعة جهاديين في ليبيا، والجزائر، وشبه جزيرة سيناء، واليمن، والسعودية. وفي ما يرمز للسلطة المزعومة، أعلن التنظيم تأسيس "ولايات" أو محافظات تابعة له في تلك الدول. ومنذ بداية العام الجاري، حصل التنظيم على بيعة حركة طالبان السابقة في أفغانستان والحالية في باكستان بالإضافة إلى بيعة جماعة بوكو حرام المسلحة في نيجيريا، وأعلن إقامة ولايات في تلك الدول. ورغم ما يتردد في أبواق التنظيم عن تلك البيعات، تبقى الحقيقة التي يؤيدها الواقع هي أن وجود وقوة التنظيم خارج العراق وسوريا محدود للغاية. وتشهد أقوى الجماعات التي بايعت تنظيم الدولة - أنصار بيت المقدس في سيناء وبوكو حرام في نيجيريا - حالة من التراجع في قدراتها. وبالنسبة لبوكو حرام، فمن المرجح أن ضعفها كان سبب الانضمام إلى تنظيم الدولة. كما أنه من غير الواضح إلى أي مدى تقبل الجماعة بسلطة البغدادي. وفي ليبيا، ما زال تنظيم "الدولة الإسلامية" ضعيفا رغم أنه يستغل الحرب الأهلية كي ينال شعبية على نحو بطيء. وفي المناطق الأخرى، فإن وجود التنظيم أضعف. ولكن، ما يتوافر من معلومات عن التنظيم يؤكد أنه يزدهر في مناطق الفوضى والاضطراب مع توافر موارد تمويل على نطاق واسع في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يجعل هجوم الجمعة الماضية في اليمن بمثابة جرس إنذار. "لا خطة أمريكية" إذا كان تنظيم "الدولة الإسلامية" هو المسؤول حقيقة عن مذبحة اليمن – إذ أعربت الولايات المتحدة عن شكوك بشأن صحة تلك المزاعم – فمن الضروري أن نذكر أنه عمل رمزي قامت به لإعلان دخولها إلى اليمن. ولم يكن هناك أي بعد طائفي لسيطرة الحوثيين الشيعة على صنعاء في بداية الأمر، ولكن بتطور الصراع، ظهرت النزعة الشيعية بوضوح منذ أن أجبر الحوثيون الرئيس عبد ربه منصور هادي على التخلي عن السلطة. وينطوي ذلك على أخبار سيئة لأنه إذا كانت سوريا بمثابة مؤشر، فإن مثل هذه النزاعات تجذب المتشددين من الإسلاميين السنّة، وتجعل من الصعب جدا التوصل إلى تسوية. وكان الصراع السني الشيعي في وقت سابق مصدرا لتعزيز موقف تنظيم القاعدة باليمن. وبينما يستمر تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في الانصات لرغبات الحلفاء القبليين بالمنطقة والتحرك بشيء من التحفظ (إذ نفى بصورة عاجلة أي علاقة له بالهجوم على المسجدين)، سيؤدي ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية" في اليمن إلى زيادة حدة الصراع مصحوبا بموجات من أعمال العنف التي لا تُميّز. وبعيدا عن اليمن، تلقي تفجيرات صنعاء المزيد من الضوء على غياب استراتيجية أمريكية واضحة في مواجهة تنظيم الدولة. فالولايات المتحدة لا ترى أن التنظيم ينمو بالسرعة التي تستدعي التصدي لتوسعه في المنطقة. ولا يلوح في الأفق أي مؤشر لوجود خطة للتصدي لأجنحة التنظيم في سيناء، أو ليبيا، أو غرب افريقيا ولا حتى اليمن. ومع استغراق وقت طويل في التعامل مع تهديد ينمو بسرعة، فإن الولايات المتحدة لا تغامر بالمزيد من الاضطراب في الشرق الأوسط فحسب، وإنما يجعل كذلك شن مسلحي التنظيم هجمات في الغرب أمرا أكثر ترجيحا.