يقوم سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بجولة في نهاية هذا الشهر تشمل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة هي الأولى بعد تولّيه منصب ولي العهد في يونيو 2017 ، وكان قد سبق وأن زار هذه الدولـ إَضافة إلى روسيا ودول جنوب شرق أسيا ودول عربية كثيرة عندما كان وليًا لولي العهد.
هذه الجولة ستكون مختلفة عن سابقاتها، فهي تأتي بعد أن شهدت المملكة والساحة الدولية تحولات كان سموه لاعبًا أساسيًا فيها وبخاصة ما يتعلق منها بالعلاقات الثنائية مع هذه الدول وقادتها.
في المدة التي أعقبت توليه منصب ولاية العهد، التقى سموه كثيرًا من قادة دول العالم، ومنهم قادة الدول التي ستشملها جولته المرتقبة. لذلك، فإن هذه الجولة لن تكون بروتوكولية لغايات التعارف، بل هي رحلة عمل سوف تؤشر نتائجها إلى ما ستكون عليه العلاقات مع هذه الدول في المرحلة المقبلة.
من المؤكد أن قضايا كثيرة سوف تطرح على طاولة المباحثات مع هذه الدول. سوف تطرح قيادات هذه الدول أسئلة كثيرة، لكن قيادتنا سوف تطرح بدورها أسئلة وتتوقع منها إجابات.
سمو ولي العهد يذهب إلى هذه الدول من موقف الند وسوف يجد من يقابلهم أنهم أمام شخصية حديدية لا تقبل بإلاملاءات مهما كانت. من المعروف أن سمّوه مستمع ومحاور من الطراز الأول، فهو منفتح على الآخر ويتقبل النقد والاقتراحات ويتوقع من الطرف المقابل معاملة بالمثل.
طوال هذه المدة القصيرة، شهدت المملكة تحولات جذرية على المستوى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وهي تحولات ما كانت لتخطر ببال أحد، حتى على المستوى الداخلي، لأننا تعودنا على الصورة النمطية للمملكة كدولة محافظة.
هذه التحولات لم تأت من أجل إرضاء العالم الغربي وإنما كانت نتيجة لقناعات بوجوب دخول المملكة عالم الحداثة من أوسع أبوابه وبحماس يخلو من المغامرة وبشجاعة من دون خوف أو تردد وبرؤية تستشف المستقبل، والغاية من كل هذا فرض مكانة المملكة ودورها الإقليمي والدولي الحقيقي الذي كان غائبًا أو مغيّبًا لعوامل كثيرة منها اختلال العلاقات مع الدول الكبرى التي تزال تنظر إلى دول العالم الثالث نظرة دونية وكسوق استهلاكي وحقول تجارب ومكب نفايات وترفض نقل التكنولوجيا إليها.
لقد ظلت العلاقات، وما تزال، مع هذه الدول موضوع جدل، فهذه الدول بتاريخها الاستعماري ظلت على قناعاتها القديمة بأن دول العالم الثالث ومنها العالمين العربي والإسلامي ساحة مستباحة لهذه الدول الساعية وراء مصالحها أولاً وأخيرًا.
عندما ظهر سمو الأمير محمد بن سلمان على الساحة الدولية والإقليمية، فهم العالم الغربي أنه أمام حالة لم يعتادوها من قبلـ فهو شخصية مصممة على إحداث التغيير ومحاربة الفساد وتعرف كيف تجد البدائل في هذا العالم المقتوح وتعرف كيف تبني التحالفات لمجابهة الأخطار الني تهدد أمنها وأمن مواطنيها.
يذهب سموه إلى هذه الدول لتثبيت قواعد جديدة للعلاقات معها، فنحن مستعدون للذهاب إلى نهاية الشوط من أجل تحقيق المصالح المشتركة وحل المشكلات المزمنة التي تهدد استقرار الإقليمي والعالمي. لقد تعاونت المملكة مع هذه الدول بنية طيبة لحل قضية الصراع الفلسطيني –الإسرائيلي والأزمتين السورية واليمنية ومواجهة المشروع الإيراني. لكن العالم الغربي، على الرغم من كل شعارات العدالة والمساواة والتباكي على حقوق الإنسان، لم يثبت لنا أنه صادق في تطبيق هذه الشعارات عندما يتعلق الأمر بالعالم العربي، بل إن كل الشواهد تشير إلى تزايد انتشار ثقافة الكراهية ضد الإسلام والعرب، كما أن سياسات هذه الدول تتغير بين ليلة وضحاها وقد أثبتت في حالات كثيرة أنها مستعدة للتخلي عن أصدقائها وحلفائها.
من المؤكد أننا لا نعيش في جزيرة منعزلة وأننا بحاجة إلى بناء صداقات، لا عداوات، مع دول العالم المحبة للسلام والحريصة على الأمن العالمي واحترام سيادة الدول. وهذه هي الرسالة التي يحملها سموّه ونرجو أن يتفهما الطرف الآخر ويفهما حتى لا نعود إلى المربع الأول في علاقاتنا مع هذه الدول، وكلنا ثقة بأن هذا القائد لن يفرط بالمبادئ على حساب المصالح وهو قد عوّدنا على ذلك دائمًا.