يخلو نظام تأشيرات الاستقدام للعمل في السعودية، من مهن كثيرة. وإلى عهد قريب كانت الصحف المحلية تستقدم صحافيين تحت اسم باحث، أو سكرتير، وربما بمسمّيات لا تمت إلى الصحافة بصلة. لكن القائمة تطوّرت اليوم، استجابة لنمو سوق العمل، وحاجة المجتمع إلى مهن لم تكن مطلوبة في السابق. عبدالرحمن اللاحم، عاود طرح الموضوع في «الحياة» الجمعة الماضي، وهو كتب عن «تأشيرة داعية»، وهذه المهنة غير موجودة في قائمة تأشيرات العمل التي تُمنح للأجانب، واستغرب وجود كثير «من الوافدين يعتلي المنابر ويمارس أعمال الدعوة، إضافة إلى بقية الوظائف الدينية، من إمامة الصلاة في المساجد وأذان وتحفيظ القرآن وإصدار الفتاوى العامة والخاصة، ناهيك عن الأعمال الدينية المساندة، مثل الاحتساب الأهلي والرقية وتفسير الأحلام»، فضلاً عن جمع التبرعات، وتأسيس الجمعيات، والقنوات التلفزيونية. من يقرأ تاريخ النشاط الحركي في السعودية، سيجد أن قيادات هذا النشاط هي من غير السعوديين، وعلى مدى عقود. دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، التي أصبحت تسمى «الوهابية»، ليست دعوة حركية، إذا استثنينا بدايتها، قبل ثلاثة قرون عام 1703. وهي تصالحت مع كل العالم، وتعاملت مع كل الأديان والمذاهب. وشاركت السعودية في تأسيس كل المنظمات الدولية وأبرزها الأمم المتحدة. لكن هذه الدعوة التي أنجبت دولة مستقرة، ومنسجمة مع العالم، بسبب وسطيتها، ورفضها للحركية والتثوير، جاء من عكّر صفوها. قَدِم بعض قيادات «الإخوان المسلمين» السوريين والمصريين، إلى السعودية، كلاجئ هرباً من بطش بعض الأنظمة العربية، وهو انخرط في التعليم ومؤسسات أخرى حكومية. وعمل على طريقة «الجماعة» التي تستند إلى قاعدة «زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون». وفي بداية الثمانينات من القرن العشرين استفاقت السعودية على خطاب لم تعهده من بعض دعاتها وشيوخها، فضلاً عن شبابها. وحصدت، ومعها دول في الخليج، ما زرع «الإخوان» في تلاميذهم، على مدى سنوات. اليوم تتكرر القصة. نجد رجلاً مثل عدنان العرعور، وهو كادر إخواني، أصبح، بين ليلة وضحاها، نجماً تلفزيونياً، يدير منظومة حركيّة متكاملة. له محطة تلفزيونية، وحسابات، ومؤسسات تجمع الأموال لـ «المجاهدين»، على رغم أن ما يفعله يعدّ مخالفاً لقوانين الدولة، لكنه فعل ذلك بدعوى مساعدة الشعب السوري. هذا الرجل دخل إلى البلد، في الأساس، من خلال شركة مقاولات، لكنه عاود تكرار ما فعل أسلافه في تأصيل الحركية، وتحريض الشباب. لا شك في أن السعودية هي الدولة الوحيدة في العالم العربي، التي تسمح لغير مواطنيها بقيادة الرأي العام، وفي قضايا تمس الأمن والاستقرار. هل نعتبر هذا تسامحاً؟ كيف يتصدّر شخص مثل العرعور مشهد الدعوة في بلد مثل السعودية، وصل دعاتها إلى أصقاع الأرض؟ الأكيد أن تأشيرة الداعية التي سخر منها اللاحم، مؤشر إلى مشكلة في نظامنا الثقافي والاجتماعي، وهو يدل على أن بعض المؤسسات الدينية في البلد ضعيف، ومخترق وبحاجة إلى معاودة نظر. *نقلا عن "الحياة"