ليس ما يجري في اليمن حاليا هو أول المشكلات التاريخية للسعودية مع الجار الجنوبي. المشكلة الحالية لا تعني السعودية فقط، وإن كانت هي المعنية الأولى، بل تعني كل دول الجزيرة العربية، والبحر الأحمر، وخطوط الملاحة والتجارة الدولية المارة بمضيق باب المندب ورأس الرجاء الصالح. إنها مشكلة للعالم كله، أمنيا وسياسيا واستراتيجيا، أخذا بالاعتبار تحول اليمن لقاعدة متقدمة للمعسكر الخميني الفارسي، وجيب متمرد لـ«قاعدة» أسامة بن لادن. الدولة الأكثر اهتماما باليمن هي السعودية، بحكم الجوار، والحدود المعقدة والشاسعة بين البلدين، من جبال ووديان وسهول، وبحكم التشابك السكاني بين المجتمعين. من هنا كانت مبادرة الرياض، بدعم من دول مجلس التعاون الخليجي، لوضع خريطة طريق يمنية، ودعوة الجميع للحوار انطلاقا من ثوابت محددة، مضمنة في المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني، وشرعية الرئيس هادي، ووحدة البلاد، وأمنها. جماعة الحوثي، المرتبطة بإيران، المنقلبة على الجميع في اليمن، ترفض هذا كله، ومع الحوثي ينسج الحيل الرئيس المزال، علي عبد الله صالح، مع مؤتمره الشعبي العام. إيران الخمينية تعبث في الركن الجنوبي الغربي للجزيرة العربية، وتنقل خبرتها المسمومة في التفريق وزرع الفتن، والتثوير، إلى بلاد اليمن السعيد، أرق الناس قلوبا، كما جاء في الأثر. غضبت إيران، فخربت، بعد الدعوة للحوار اليمني في الرياض، التي أتت استجابة لنداء الرئيس هادي، الذي هرب من أسر الحوثي في صنعاء، ونقل حكومته لعدن، ليلحق به بعد قليل وزير دفاعه الصبيحي. عبد الملك الحوثي جن جنونه، ومن يخطط له، قرر إعلان الرفض، والتخويف بالسلاح، وها هو اليوم يشن هجمات على عدن وتعز، مركز الثقل اليمني المعارض للفكر الحوثي الشاذ عن الزيدية التقليدية في اليمن، المتمرغ في مياه الخمينية المشعة بالنووي، المادي منه، والفكري. زعيم الحركة الحوثية أعلن «التعبئة العامة» ضد عدن وتعز ولحج، وكل الجغرافيا اليمنية الرافضة لانقلابه وارتهانه لإيران. قصف مقر هادي في عدن، وهاجم مطارها، وناوش تعز، ورد خائبا. وصل الوضع في اليمن لنقطة الغليان. لذلك اعتبر وزير الخارجية اليمني المكلف، رياض ياسين، في حوار مع قناة «العربية الحدث» أن الحرب الدائرة في اليمن تستهدف سائر البلاد. وذكر أن «الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي طلب من الأمم المتحدة وقوات (درع الجزيرة) التدخل لمواجهة الحوثيين»، مضيفا: «دول التعاون الخليجي تدرس هذا الطلب». المبعوث الدولي لليمن، جمال بنعمر، قال إن اليمن متجه للحرب الأهلية والتفتت، ما لم تحدث معجزة، وأقول هذه المعجزة موجودة فقط في عيون زرقاء اليمامة الخليجية في الرياض، حيث كان يجتمع أهل القرار الخليجي في قصر الملك سلمان (العوجا). وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل قال في اجتماعه مع زير الخارجية البريطاني بهذا الخصوص: «إذا لم يتم إنهاء الانقلاب الحوثي سلميا سنتخذ الإجراءات اللازمة لحماية المنطقة». العاصفة تهب من الجنوب هذه المرة، ومواجهتها ليست اختيارا *نقلاً عن "الشرق الأوسط"