لم تجز السرية المصرفية السويسرية فحسب التهرب الضريبي بل غطت كذلك على انشطة اجرامية واسعة النطاق على غرار تبييض اموال المخدرات او تمويل الارهاب الدولي، بحسب تحقيق نشرته الصحافة الدولية الاثنين بتنسيق صحيفة لوموند الفرنسية. والفضيحة التي عرفت باسم “سويس ليكس” استندت الى معلومات سرقها خبير المعلوماتية ارفيه فالشياني عام 2007، عندما كان موظفا في مصرف اتش اس بي سي في جنيف. وحصلت صحيفة لوموند من خلال مخبر سري على هذه الوثائق التي تشمل بيانات مصرفية لاكثر من 106000 زبون لدى البنك، السويسري من حوالى 200 بلد. واوضحت الصحيفة ان عددا من الشخصيات الفرنسية والاجنبية استخدمت هذه الآلية للتهرب الضريبي. ومن ابرز الاسماء التي وردت في مختلف وسائل الاعلام العاهل المغربي محمد السادس والعاهل الاردني عبدالله الثاني فضلا عن شخصيات من عالم الازياء والاستعراض والرياضة، اضافة الى سعوديين يشتبه في تمويلهم اسامة بن لادن في مطلع الالفية الثانية. كما نشرت صحيفة لو تان السويسرية اسماء شخصيات سياسية او على علاقة بالاوساط السياسية مثل رامي مخلوف ابن خال الرئيس السوري بشار الاسد والوزير المصري السابق للتجارة والصناعة رشيد محمد رشيد الذي حكم عليه في حزيران/يونيو 2011 بالسجن خمس سنوات بتهمة اهدار المال العام لاختلاسه اموالا مخصصة للتنمية في مصر، والوزير الهايتي السابق فرانتز ميركرون. ومن جهتها ذكرت صحيفة لوموند جاك ديسانج مؤسس شبكة صالونات تصفيف الشعر، والذي كان يملك بحسب البيانات التي اطلعت عليها لوموند، حسابا في الفرع السويسري لمصرف اتش اس بي سي بقيمة وصلت الى 1,6 مليون يورو بين 2006 و2007. واشارت لوموند الى انه من العملاء الذي عمدوا بعد ذلك الى تسوية اوضاعهم عبر دفع غرامة. كما ذكرت الصحيفة الفكاهي الفرنسي غاد المالح، الذي كان يملك بحسب الصحيفة، حسابا صغيرا في جنيف كانت المبالغ المودعة فيها تتجاوز بقليل 80 الف يورو بين 2006 و2007، وقطب الصحافة الاسترالية الراحل كيري باكر، وبارونات تهريب مخدرات واسلحة وتجار الماس مشبوهين، اضافة عن رؤساء شركات وورثتهم. ووضعت لو موند المعلومات في تصرف الشبكة الدولية للصحافيين الاستقصائيين في واشنطن، التي خضعت للتحليل من طرف اكثر من 140 صحافيا من حوالى 50 وسيلة اعلامية. في سويسرا شاركت صحف “ليبدو” و”لو تان” و”لو ماتان ديمانش” و”تاغس-انزايغر” و”سونتاغس زايتونغ” في “سويس ليكس”. وشملت الوثائق معلومات شخصية حول الزبائن وملاحظات المصرفيين وتحركات الحسابات. بعد نشر هذه البيانات تعالت الاصوات في سويسرا للمطالبة بملاحقة مصرف اتش اس بي سي سويس الذي لم يلاحق في هذا البلد فيما سبق ان فتحت تحقيقات بشأنه في بلجيكا وفرنسا. وصرحت الوزيرة الاشتراكية السابقة في الحكومة السويسرية ميشلين كالمي-راي صباح الاثنين “انا مستاءة جدا… مطلوب فتح تحقيق كحد ادنى” مضيفة ان صورة سويسرا تضررت الى حد كبير نتيجة هذه القضية. واكد وزير المالية الفرنسي ميشال سابان انه ينبغي “عدم التساهل” مع “متهربي الماضي” لكنه اضاف ان الاجراءات التي انشئت مؤخرا ضد التهرب الضريبي اجازت “بدء مرحلة جديدة”. اما مصرف اتش اس بي سي سويس فرد على هذه المعلومات في رسالة الكترونية وجهها الى فرانس برس الاثنين مؤكدا انها تتعلق “بالماضي”. واضاف ان “بنك سويس برايفت التابع لاتش اس بي سي بدأ بادخال تغييرات جذرية في 2008 لمنع استخدام خدماته للتهرب من الضرائب او لغسل الاموال”، مقرا بوجود ـ”مخالفات سابقة”. وتراجعت اسهم اتش اس بي سي 1,87% لتبلغ 609,20 نقطة ظهر الاثنين في بورصة لندن. على مدى سنوات عديدة بقيت المعلومات التي نسخها ارفيه فالشياني، المهندس المعلوماتي الذي كان يعمل في الفرع السويسري للمصرف البريطاني، حكرا على القضاء وعلى بعض المصالح الضريبية ولو ان بعض العناصر تسربت الى الصحافة. وبين 9 نوفمبر 2006 و31 مارس 2007 انتقلت حولى 180,6 مليارات يورو عبر حسابات في اتش اس بي سي في جنيف، مختبئة خلف شركات اوفشور في باناما والجزر العذراء البريطانية بحسب المحققين. واكدت الشبكة الدولية للصحافيين الاستقصائيين ان “اتش اس بس سي بريفت بانك (سويسرا) استمر في توفير الخدمات لزبائن اوردت الامم المتحدة اسماؤهم، في وثائق قانونية او وسائل الاعلام، لعلاقتهم بتجارة الاسلحة او الماس والحروب او الفساد”. وتم تقليص اعتماد السرية المصرفية الى حد كبير في السنوات الاخيرة في سويسرا، نتيجة تضاعف الضغوط على مصارفها فيما كثفت حكومات كثيرة مكافحة التهرب الضريبي. يعقد الاثنين والثلاثاء في اسطنبول اجتماع وزراء المالية ورؤساء المصارف المركزية في مجموعة العشرين التي جعلت من مكافحة التهرب الضريبي احدى اولوياتها.