الرياض - دخل الاتفاق النووي الإيراني حيز التنفيذ بعد رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران من قبل الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، وهو إجراء متوقع، ولكن توقيته مثير للجدل والمنطقة العربية لا تزال متوترة، والعلاقات مقطوعة مع دول مؤثرة مثل المملكة، إلى جانب إعلان إيران مباشرة إغراق السوق البترولي بزيادة 500 ألف برميل يومياً، وفتح الاستثمار الأجنبي للشركات النفطية والغازية رغبة في التمدد خارج الحدود مروراً بباكستان والهند لمدهما بالغاز الطبيعي، فضلاً عن الإفراج عن الأصول والعوائد الإيرانية المحتجزة دفعة واحدة والتي تقدّر بعشرات المليارات من الدولارات، والتي حتماً لن تذهب لمشروعات بنى تحتية أو تحقيق تنمية للشعب الجائع المغلوب على أمره،وإنما ستذهب معظمها لعمليات تسليح عسكري، وسباق على إبرام صفقات مشبوهة لمدها بسلاح نوعي، والأسوأ من كل ذلك أن السلوك الإيراني الإرهابي لم يتغيّر في دعم المليشيات والتنظيمات والجماعات المتطرفة، واستمرار تدخله السافر في شؤون الآخرين خاصة في دول الخليج، والعراق وسورية ولبنان، وإصرار النظام الإيراني على تصدير طائفية الثورة وليس بناء علاقات جوار وتحقيق السلم العالمي كدولة يمكن احترامها والتعاون معها.
نعم قدرنا أن تكون إيران جارة، ولا يمكن أن نلغي وجودها، أو نقلل من نفوذها، مادام هناك من يتواطأ مع مشروعها، ولكن الأهم في هذه المرحلة الحسّاسة من رفع العقوبات هو التأكيد على دول (5+1) أن البرنامج الإيراني ليس ملفاً أُنجز من دون عمليات تفتيش قوية على مواقعها المشبوهة بتخصيب اليورانيوم بما لا يتجاوز (5%)، وتقليل حجم الطرود المركزية التي وصلت إلى نحو عشرين ألف طرد، خاصة في مصنع ناتنز، وفوردو، ومفاعل آراك العسكري، إلى جانب فرض تدابير كافية لضمان عودة العقوبات في حال عدم التزام إيران ببنود الاتفاق، وهذا يتطلب جهداً مضاعفاً من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتعاوناً استخبارياً من دول الجوار الإيراني، إلى جانب تعهدات الجانب الأميركي بمضمون إعلان كامب ديفيد مع دول الخليج في شهر مايو من العام الماضي، وما يترتب عليه من حماية المصالح الإستراتيجية الخليجية، وتحديداً توفير السلاح النوعي للتصدي لأي مغامرات إيرانية محتملة.
إيران ستكون تحت المجهر الدولي هذا صحيح، ولكن الانفتاح الاقتصادي على العالم لن يمنعها من التخلي عن طموحاتها في المنطقة، وأطماعها ونفوذها، بل ربما يزداد، وهذا هو سر الخلاف مع التوجهات الغربية التي ترى أن سلوك إيران ربما يتغيّر إذا مُنحت فرصة جديدة من دبلوماسية الحوار، ورفع الحظر عن اقتصادياتها الحيوية، والأشهر المقبلة سيكون أصحاب هذا الاتجاه على المحك، وتحمّل المسؤولية، وربما الاقتناع أن إيران لا تزال ثورة وليست دولة تحظى بالثقة والاحترام.
مرة أخرى ستكون المنطقة العربية في اختبار جديد من التحولات الجيو سياسية، وحتماً ستقول القوة الناعمة كلمة الفصل؛ إما نفوذ إيراني يتمدد بلا نيران مشتعلة في أكثر من مكان، خاصة في سورية والعراق، وإما تخاذل غربي عن تعهدات الالتزام وبالتالي الانسحاب من المنطقة إلى مواقع أخرى لمواجهة العمالقة الجدد الصين وروسيا.
والمملكة في كل هذه التفاصيل لا تنتظر حلولاً لما تعتقد أن الأمور ستصل إليه، أو ربما تتوقع أن تصل إليها المنطقة في ظل السلوك الإيراني الداعم للإرهاب، خاصة وأن العلاقات الدبلوماسية مقطوعة مع إيران، وجهود الوساطة تبقى حلاً أسهل وليست أمثل لديمومة العلاقة وحسن الجوار، ولكن مع كل ذلك لن تقف المملكة مكتوفة اليد، وهي تدرك ثقلها الإسلامي، وتحالفاتها الممتدة على أكثر من قارة، وجهودها الرامية إلى التهدئة، وتحقيق الأمن والاستقرار، ومواجهة المشروع الإيراني وليس الشعب الإيراني الذي نثق أنه بحاجة إلى فتح صفحة جديدة مع جيرانه، والتفرغ لتنميته، وتخلي نظامه الفارسي عن أطماعه، وإشعال الحرائق، والفتن؛ بحجة أنه يستطيع أن يصل إلى أهدافه، وكسب مؤيديه على أنه اللاعب الوحيد في المنطقة.. وهو حلم بعيد المنال.