ثوب مستقبل المنطقة ينسج من خيوط الحاضر، فالاحداث متصلة لا منفصلة، ولا يمكن لخيوط حاضرة بيضاء ان تخلق لنا ثوبا مستقبليا أسود، لذا لا يمكن فهم ما يجري في الشرق الأوسط من فوضى غير خلاقة، دون النظر رأسيا الى التاريخ، وأفقيا الى المنطقة كوحدة جغرافية واحدة، ودون ذلك سنصبح كمن يحاول معرفة وفهم صور تم تقطيعها عبر النظر لاجزاء هذه الصور واحدة واحدة دون محاولة جمعها في لوحة واحدة. *** قبل ذلك قال الشهير حسني البرازان، ذات مرة: ان اردت ان تعرف ما يجري في ايطاليا فعليك معرفة ما يجري في البرازيل، واعتقدنا حينها انها جملة لا معنى لها، ولم نعرف انها ستصبح عنوانا لاخطر مراحل تاريخ العرب، ففي هذه الأيام يلزمنا لمعرفة ما يجري في اليمن معرفة ما يجري في ليبيا، ولمعرفة ما سيجري في لبنان يلزمنا معرفة ما سيجري في سورية، ولمعرفة ما سيجري في سورية علينا معرفة ما سيجري في تركيا، كما ان معرفة ما سيجري في العراق تستلزم معرفة ما سيجري في ايران، ومعرفة ما يجري في مصر تستلزم معرفة ما يجري في قطاع غزة، ومعرفة ما يجري في القطاع تستلزم معرفة ما يجري في اسرائيل.. وهلم جرا. *** وفي اعوام 68ـ70 بدأ تنفيذ الجزء الأول من مشروع تفتيت دول المنطقة وتشطيرها عندما وصلت 5 أنظمة للحكم وبدأت بعضها في عمليات ادخال بلدانهم في حروب داخلية أو خارجية او الاثنتين معا، كما شجعوا التأجيج والتحريض الديني والطائفي والعرقي وتدمير اقتصاد بلدانهم وتأهيل الاجيال لا على العلوم المختلفة بل على الأسلحة المختلفة لتتسلم منهم الميليشيات الطائفية لانجاز الجزء الثاني والاخير من مشروع البلقنة التي ستستمر لعقود وقرون. *** آخر محطة: 1- مما يدل على ترابط احداث الجزء الاول والجزء الثاني من مخطط تفتيت دول المنطقة، التحالف الخفي والقوي وغير المفهوم بين ميليشيات تدعي التشدد الديني مع جيوش الانظمة العلمانية واللادينية التي سقطت (أنظمة وجيوش صدام والقذافي وصالح وحتى الأسد). 2- ما تفعله الميليشيات التي تلاحق ظهورها سريعا على الأرض العربية في اعوام 2011ـ2013 تماما كحال انظمة 1968ـ 1970، يتشابه لحد التطابق مع افعال تلك الانظمة من ادعاء العداء الظاهر والصداقة الحميمة في السر، كونهم جميعا يتقاسمون الأدوار لبقاء الحروب مستمرة، والمجتمعات مفتتة، والبلدان مدمرة. 3- قامت أنظمة 68ـ70 برفع شعارات الوحدة العربية بقصد الاساءة اليها وتنفير الناس منها، وقامت ميليشيات 2011ـ2013 برفع شعارات الاسلام والخلافة الاسلامية بقصد الاساءة والتنفير. *نقلاً عن صحيفة "الأنباء"