برهن أكراد سوريا على أنهم قوة لايستهان بها بل و يحسب لها حساب، فبعد طردهم لمقاتلي تنظيم داعش من بلدة كوباني الكردية في يناير الماضي، هاهم يحكمون قبضتهم على مدينة تل أبيض الاستراتيجية في محافظة الرقة، معقل داعش في شمال سوريا، موجهين للتنظيم ضربة موجعة. ونقلت دويتشه فليه عن المرصد السوري لحقوق الإنسان فإن الأكراد يسيطرون الآن في سوريا على شريط حدودي مع تركيا بطول 400 كيلومتر، يمتد من ريف حلب الشمالي الشرقي وصولا إلى مثلث الحدود السورية التركية العراقية، باستثناء معبر القامشلي في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا، وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان. وتزداد المخاوف التركية من بروز الأكراد في سوريا كقوة مقاتلة تسيطر على مناطق شاسعة قد تمهد لقيام كيان كردي مستقل، وتكرار سيناريوهات مماثلة من مواطنيها الأكراد، الذين يمثلون قوة سكانية كبيرة داخل أراضيها حيث يقطن 14 مليون كردي ويمثلون أكبر أقلية كردية. وفي الواقع فإن مشروع قيام دولة كردستان حلم يراود الأكراد في منطقة الشرق الأوسط، ومن بينهم أكراد سوريون. وأثار التقدم الكردي في سوريا انتقادات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نفسه. فالقوات الكردية السورية التي تقاتل تنظيم داعش ترتبط بحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا. ونقلت فرانس برس عن نهاد أوزكان المحلل في معهد "تيباف" بأنقرة، أن انتقادات أردوغان سببها مخاوف من تصاعد المشاعر الانفصالية بين الأكراد في جنوب شرق تركيا، مشيرًا إلى أنّ سيطرة الأكراد على تل أبيض بعد تحريرهم كوباني، سيظهرهم كقوة قتالية في وجه تركيا. واتهم وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو المقاتلين الأكراد بالوحشية، وقال إنهم يضطهدون المدنيين في شمال سوريا ويرغمونهم على الفرار بنفس طريقة متشددي تنظيم داعش وقوات الأسد، بينما ترفض القوات الكردية هذه الاتهامات ويرى الخبير في شؤون الكردية سربست بامرني أنّ الانتصارات العسكرية لأكراد سوريا من شأنها أن تثير مخاوف جيرانهم الأتراك. وأضاف بامرني أنّ الحراك الكردي في سوريا يصب في مصلحة مشروع قيام دولة كردستان، وموقف الأكراد أصبح الآن أفضل جدا من القرن الماضي، فقد أثبتوا أنهم يرفضون الإرهاب ومستعدون للتعاون مع القوى الدولية لضرب هذا التنظيم الإرهابي، لافتًا إلى أنّ تجربتهم في كردستان (العراق) ناجحة إلى حد ما، فهناك مؤسسات دستورية وهناك برلمان وغيره. وتنظر تركيا إلى التقدم الميداني للأكراد في سوريا بأنه يصب أيضا في إطار مشروع قيام دولة كردية داخل حدود تركيا، وهذه مسألة تقض مضاجع الأتراك. ومن شأن التطورات الجديدة أن تؤدي إلى تصعيد جديد، حسب توقعات تاغس شبيغل تطلب تركيا من الجماعات السورية المتمردة التي تدعمها محاربة الأكراد. وتتهم المعارضة التركية، أنقرة بدعم داعش من أجل تحقيق هذا الهدف بالضبط. وبحسب دويتشه فليه كتبت صحيفة "تاغس شبيغل" الألمانية في تعليق نشرته على موقعها الالكتروني، أن: الحرب قد تقسّم سوريا إلى عدة كيانات جديدة، وتغير خريطة الشرق الأوسط السياسية، فبدلا من سوريا القديمة قد تظهر دولة تحت سيطرة نظام الأسد، وخلافة لداعش، ودولة كردية على امتداد الحدود مع تركيا وبحسب الصحيفة الألمانية فإن السيناريو لن يقف عند هذا الحد وإنما: "طال الزمن أم قصر، قد تتدخل تركيا عسكريا للحيلولة دون قيام دولة كردية. وهذا من شأنه أن يفسح المجال لتدخل القوة الشيعية، إيران، وعليه، فإن المأساة الحقيقية في سوريا أصبحت على وشك الحدوث