العرب - نحاول في هذه المادة تبيان حجم التزوير الذي لجأت إليه السلطات الفارسية المتعاقبة في عملية استكمال بناء الدولة الإيرانية، وترسيخ العداء الفارسي للعرب كآلية تنشئة سياسية للأجيال الجديدة. نلحظ أن الفرس بدأوا بتزوير التاريخ السياسي، وأرّخُوا التاريخ والأدب السياسي الفارسي ذاهبين من خلاله إلى أن العرب والإسلام دمروا الحضارة “المشرقة” للآريين عندما دخلوا بلاد فارس، وذلك على المستويين الداخلي والخارجي. فعلى المستوى الداخلي، منع الفرس أي محاولة من قبل الشعوب القاطنة في جغرافيا إيران السياسية الحالية من تدوين وأرشفة تاريخها السياسي والإنساني.
نلحظ أن الفرس بدأوا بتزوير التاريخ السياسي، وأرّخُوا التاريخ والأدب السياسي الفارسي ذاهبين من خلاله إلى أن العرب والإسلام دمروا الحضارة “المشرقة” للآريين عندما دخلوا بلاد فارس، وذلك على المستويين الداخلي والخارجي. فعلى المستوى الداخلي، منع الفرس أي محاولة من قبل الشعوب القاطنة في جغرافيا إيران السياسية الحالية من تدوين وأرشفة تاريخها السياسي والإنساني.
وأما على المستوى الخارجي، فقد خاطب الفرس الدول والمؤسسات الدولية ليتعاملوا مع الواقع الفارسي الجديد. ودلالة على هذا، قدم أحد مستشاري الشاه الأب وهو المؤرخ والكاتب الفارسي الشهير سعيد نفيسي ومجموعة من زملائه، أطروحة لها فوائد سياسية، وهي أن يتم تغيير اسم الدولة الفارسية إلى إيران (اشتقاقا من النسب إلى العرق الآري)، وفعلا استحسن رضا شاه الفكرة، وروّج للاسم الجديد لأول مرة في جريدة «اطلاعات» الناطقة باسم الدولة، وذلك بتاريخ 22/11 /1934 ميلادي، من خلال مقال كتبه وتوجَّه به سعيد نفيسي للداخل والخارج الإيراني، تحت عنوان "من الیوم فصاعدا يجب على الجميع أن يسموا وطننا بإيران".
في هذا المشروع -أي التزوير والابتداع التاريخي-، إن صحّ التعبير، بيّن أن العرق الآري -أي الفارسي- هو الأفضل والأساس في الإمبراطورية الإخمينية التي أسست الحضارة والدولة الفارسية التي امتدت في كافة أنحاء العالم. كما أدرك أصحاب هذا المشروع، أن ثمة أسسا موضوعية وتاريخية وثقافية واجتماعية ودينية، امتزجت عبر العصور بالمجتمع الفارسي من جهة، وبالشعوب الأخرى القاطنة في هذه الجغرافيا من جهة ثانية، وهي أسس عربية بامتياز، قد تعيق المشروع الفارسي الجديد، والذي عُرِف بــ«دولت/ملتسازي» (أي صناعة الأمة الإيرانية والدولة الإيرانية). كما حدد صانعو هذا المشروع الإشكالية التي يمكن أن تعيق مشروعهم وحصرها في الأمرين التاليين، وهما:
هذا العداء للعرب عميق جدا، ولا أعتقد، أنه يمكن التخلص منه على المدى المنظور، في ظل البنية الحالية للنظام الإيراني
أولا، مجاورة الفرس للعرب، وتأثرهم بالثقافة العربية الإسلامية الغنية. ثانيا، اعتماد الفرس على اللغة والفكر العربي في كافة مجالاته التاريخية والاجتماعية والأدبية والفلسفية والدينية.
إذا، هذا الواقع التاريخي والجغرافي الطبيعي شكَّل العائق الأساس، ما تطلّب من الدولة الفارسية -البهلوية الأولى والثانية- أن تحثّ مثقفيها وكتّابها الفرس على محاربة العرب وثقافتهم السمحاء. وتحوّل هذا التوجه عبر العقود إلى تراكمات اتّسمت في مجملها بالكراهية والعداوة للعنصر العربي، والمستمرة إلى يومنا هذا رغم الفضل العربي على الفرس في كافة مجالات الحياة.
وفي هذا الصدد يؤكد جلال خالقي مطلق، الأديب والباحث الإيراني الشهير، الذي قام بمراجعة وتصحيح “شاهنامة فردوسي” تحت إشراف إحسان يارشاطر وهو يعتبر من عملاقة الأدب الإيراني ومؤسس لكثير من المراكز البحثية عن تاريخ إيران الأدبي والاجتماعي القديم -إذا صح التعبير- والمعاصر في نفس الوقت في عدد من دول العام، قوله “إن الكثير من الأشعار الموجودة في الشاهنامة تمت إضافتها للنسخ الجديدة”. ويؤكد جلال خالقي على سبيل المثال، أنه من خلال مقارنة بعض النسخ القديمة والجديدة للشاهنامة تبين له على سبيل المثال لا الحصر، أن البيتين من الشعر اللذين يصرّحان بمعاداة العرب وتحقير قوميتهم، قد تم اختلاقهما وإضافتهما، وهما: (ز شیر شتر خوردن وسوسمار.. عرب را به جایی رسیده است کار، که تاج کیانی کند آرزو.. تفو برتو ای جرخ كردون تفو. / أي: مِنْ شُرْبِ حلیب الإبل وأَکْلِ الجرابیع، وصل العربي إلى مرحلة يتمنى فيها تاج الملکیة، بصق علی وجه الزمان، بصق.
لذا، ما نشاهده من ممارسات عنصرية معادية للعرب هي في الواقع تراكمات تاريخية ثقافية سياسية مقصودة دخلت الأدب والتاريخ السياسي الفارسي، تحولت اليوم إلى ظاهرة اجتماعية، كان الهدف من ورائها في بادئ الأمر، أن تشكل جدارا بين الشخصية الفارسية والثقافة العربية الغنية. لذلك، سخَّرت الدولة البهلوية الكثير من الإمكانيات والموارد البشرية في العالم والداخل الإيراني لتمرير الغرض، ومن أهم الشخصيات الفارسية التي عملت بقوة وأثرت بشكل فعاّل في الشخصية الفارسية، والتي باتت إشكالية حقيقية يعاني منها الشارع الإيراني ومحيطه العربي عموما، ميرزا فتحعلي آخوندزادة وميرزا آقاخان كرماني وصادق هدايت، وغيرهم كثر.
وعليه، فما نراه اليوم على سبيل المثال: كالشاعر مصطفى بادكوبهاي الذي تطاول على الذات الإلهية باعتباره أن الله هو إله خاص بالعرب قائلا “خذني إلى أسفل السافلين أيها الإله العربي شريطة ألا أجد عربيا هناك”. مخاطبا إله الحب الفارسي “أقسم بك يا إلهي يا رب الحب، أن تنقذ بلادي من البلاء العربي”. والشاعر محمد عالي بيام (هالو) الذي هاجم النبي العربي محمد، وكذلك الأغاني القومية الكثيرة، ومنها: اقتلوا العرب (انهض يا كورش الكبير…).
يؤكّد كاتوزيان، أنّ أبجدية اللغة الفارسية هي أبجدية اللغة العربية، ولم يوجد في التاريخ الأدبي الفارسي كاتب أو شاعر أو مؤرّخ كتب مؤلفاته باللغة الفارسية قبل دخول العرب والإسلام لبلاد فارس. وهذا يعني، كما قال عن العرب الكاتب والسياسي التركي الأذربيجاني، والمعروف في الوسط السياسي والإعلامي الإيراني، السيد يونس شاملي “يجب على النخب الفارسية أن يشكروا اللغة العربية والشعب العربي للأبد”، وبرأيه –كما برأي الكثير من الأدباء والمؤرخين والمثقفين والكتّاب الشرفاء من الشعوب غير الفارسية داخل جغرافية إيران- فإن أكثر من 54 بالمئة من مفردات اللغة الفارسية هي مفردات عربية.
في ظلّ هذه الشواهد التاريخية وتراكماتها القومية والمذهبية، فإنّ العقلية الفارسية في الوقت الحالي لا ترى في العنصر العربي ندا لها أبدا، بل تصنف نفسها على أنها أرقى منه بكثير. ومن هذا الواقع، فمن الصعب أيضاً أن يتعايش الفارسي مع العربي في ظلّ السياسات المتبعة من قبل صناع القرار في إيران بشقيهم الديني والسياسي. فهذه السياسات الإيرانية وممارساتها في أرجاء الوطن العربي، وخاصة في العقد الأخير، لم تعد مقبولة أبدا، وما نشاهده من صراع بين إيران من جهة، والمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي من جهة ثانية (التي أخذت على عاتقها حماية المواطن العربي والدولة العربية ومكتسباتها في نفس الوقت)، هو ضرورة حتمية يجب على العرب جميعا الوقوف عندها مع الرياض لاستعادة هيبة الدولة العربية في كل من العراق وبلاد الشام واليمن وغيرها من المناطق العربية الأخرى.
وأخيرا، للدلالة على هذا العداء الفارسي للعرب وثقافتهم، نستشهد ببيت من الشعر للشاعر الطاجيكي الفارسي رودكي، المتوفی عام 940 ميلادي، لما للشعر من أهمية بالغة في النفوس، وكثيرا ما يشكل صورا عن الأحداث التاريخية القديمة.