بناية الغد -مكتب 2018 -
شارع الرؤية - صندوق بريد رقم 2030
بعد السلام والتحايا والاحترام،،
أريد منكم التكرم والنظر في حالتي، ورفع الظلم عني، والطلب من الأطباء إخراجي من هذا المعزل الصحي.
لم أفعل ما يستوجب الغضب. كان الوضع مزعجاً بالنسبة لي وأنا أرى هذا العالم المفتوح على مصراعيه، مما جعلني أشعر بالتهديد المروّع لكل ما أؤمن به. قررت بناء أسوار عالية حولي تحميني من الآخرين. كانت قناعتي أنه كل ما كان المنزلُ محكم الإغلاق، بدون منافذ، كل ما كان أكثر أماناً.
من حسن الحظ أنني تنبهت إلى أن الأسوار العالية قد تشعرني الاختناق، لذلك من الأفضل أن أفتح بعض النوافذ لأرى الشمس، وأستنشق الهواء.
كنت وجلاً من النوافذ التي اضطررت إليها. نعم حصلت على هواء عليل، وشمس صافية، لكن شعوراً غامضاً، كان يُلح علي أن الآخرين يسترقون النظر إلى منزلي، وقد يرون ما أكره أن يراه أحد. إذاً لأغلق النوافذ جميعها، ولنكتفي بواحدة في المنزل، تكون تحت إدارتي.
اكتشفت أن الشمس أيضاً مخيفة. أعتقد انها تمنح الآخرين قدرة على أن يروا منزلي بوضوح، لذلك لعله الأسلم أن أضع مظلة على النافذة، تحمي من التلصص، وتسمح بدخول الهواء. لا أريد أن أرى أحداً، ولا أريد لأحد ان يراني.
مكنتني الطفرة المالية التي حدثت أن أشتري كل ما يغنيني عن الخروج للعالم، أجهزة التكييف وفرت لي الهواء، وأعمدة الإنارة وفرت لي الضوء، ويمكنني شراء كل ما أريد دون مغادرة المنزل، والاحتكاك بالآخرين، ولكن هاجسي هو تلك النافذة الوحيدة في المنزل، كيف يمكن أن ألغيها إلى الأبد.
شعرت بالرعب من فكرة وجود الهاتف. لكنه كان ضرورة لحالات الطوارئ التي قد أحتاج فيها للتواصل مع الشرطة والإسعاف. هذا الاختراع اللعين سيسهل التواصل مع الآخرين دون أن أتحكم به. في حال خروجي من المنزل لن أعرف من سيتصل بمن. كل مرة أخرج فيها من المنزل كنت آخذه معي. الحمد لله أن لا أحد يشاهد التلفزيون في المنزل إلا بوجودي لمتابعة الأخبار.
الخروج من المنزل فكرة مزعجة. تجربة مخيفة. معالم ما يقولون إنه تمدّن وحداثة على وشك الوصول إلى منزلي، ولدي شعور بأنها ستهدم كل أسسه من أجل تغيير جديد، وتقويض سلطتي المنزلية. حتى في العمل ألاحظ أن كثيراً من القوانين يتم تعديلها.
لا أشعر بالأمان إلا خلال وجودي في المنزل دون أي تواصل مع العالم الخارجي، خصوصاً بعد أن أضفت عددا من ألواح الألمونيوم الضخمة في كل الاتجاهات كي لا يرى الجيران تحركاتنا في فناء المنزل. لدي هاجس أن الجيران حريصون على معرفة ما يدور في منزلي.
أحياناً وأنا أحتسي الشاي لا أفكر إلا في هذا العالم المشغول بي، وبتدمير مجتمعي، وعقيدتي. المؤامرات الغربية التي تريد مني زيادة النوافذ في منزلي، والتقليل من الأسوار، بحجة المظهر العام. أفضّل الموت على أن أسمح بأن أضيف نوافذ جديدة للمنزل، وتدخل الشمس ليرى الآخرون منزلي بوضوح.
ما حدث اليوم مفجع، لقد زارت عائلتي منزل أحد أقاربي، وكان لديهم طبق فضائي ينقل مشاهد مو العالم الخارجي. يقول قريبي أنها قنوات عربية. لن يطأ أحد من عائلتي ذلك المنزل أبداً. للأسف بدأ العالم يغزونا، وكنت أراه دون رغبة مني خلال بعض حفلات الغداء والعشاء عند الأصدقاء والأقارب.
بعض القنوات جيدة، هناك أخبار عن نشاط المجاهدين في العالم. أحضرت لأبنائي وأقاربي أشرطة حروب المجاهدين في الشيشان وأفغانستان. الحمد لله أن هذه الأشرطة تبث في عدد من المدارس.
وكنت أفكر أن أكوّن مع بعض فرقا خاصة لمراقبة أخلاق جميع المواطنين، والتصدي لهم مباشرة إذا رأينا ما نكره، قبل أن أَجِد نفسي في هذا المكان.
لكن الآن يا دكتور أشعر بالتعب وأنا في هذه المصحة. أريد الخروج منها، وقيل لي أن توصية منك ستسمح لي بالخروج من هذا المكان المليء بالرجال والنساء والأدوية.
مع المحبة والتقدير
أخوك: صحيان بن عبدالله الصحوي
••
نظر الدكتور سعيد إلى الورقة.
أغلقها بهدوء وقال للممرضة:
- يمنع من الخروج حتى عام 2030