سعد الحريري يريد الوصول إلى رئاسة الحكومة. هو يشعر بأن موقعه في الرياض تغيَّر، ويرغب في تجديد تأشيرة دخوله إليها. هذا الهدف سيدفعه إلى تنازلات غير محسوبة. وهو ربما كرر خطأ والده بعدم الاستماع إلى نصائح الآخرين، والتمسك بالوصول إلى رئاسة الوزارة، بصرف النظر عن الظروف والمكاسب السياسية. فؤاد السنيورة مدرك لدوافع سعد الشخصية، وحماسة الأخير لتهيئة الأجواء لترشُّحه مجدداً، ولهذا تحفّظ عن حوار عين التينة، وسعى إلى عرقلته. والسنيورة قال أمام المحكمة الدولية أن رفيق الحريري أبلغه أنّه «تم اكتشاف أكثر من محاولة لاغتياله من قبل حزب الله». كان بإمكان السنيورة أن يتجاوز هذه المعلومة الملغومة، كما فعل مع غيرها، أو يصوغها في شكل أخف. لكنه تعمَّد الحديث بلغة صادمة إمعاناً منه في تعطيل الحوار، لاقتناعه بأن مشروع عين التينة مجرد وسيلة لشراء الوقت، وأقصى ما سيتحقّق منه مكافأة سعد برئاسة الوزارة، ومعاودة تكرار الجمود والتبعية للإرادة الواحدة. لهذا فإن توقيت شهادة السنيورة أمام المحكمة الدولية، مع حوار عين التينة، ليس مصادفة. فؤاد السنيورة أغضب الخصمين. المنافسون له في «المستقبل» على منصب رئاسة الوزارة وجدوا في رفضه للحوار فرصة للهجوم عليه. وهو صار هدفاً لهجوم «حزب الله» إثر شهادته في لاهاي. وفي المحصلة اتّفق الطرفان على النيل منه، بحجة نسف الحوار المزعوم. لكن الحقيقة أن الجميع يخشى أن تحمله شجاعته وتوجّهاته إلى السرايا مجدداً. «حزب الله» جرّب صلابة موقفه، ولا يريد تكرار التعامل معه. وبعض أطراف «المستقبل» يغار منه، ومن تنامي نفوذه في التيار والشارع، ناهيك عن أن في «المستقبل» طامحين للزعامة، بعضهم صار يشبه عون عند المسيحيين. وعون السنّي، هو وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي يمكن أن يحقّق الائتلاف المطلوب في المرحلة المقبلة، وربما نفّذه في شكل أفضل مما أُتيح للرئيس نجيب ميقاتي الذي عرقل «حزب الله» مشروعه، وخذله الحلفاء الإقليميون بسبب تحريض سعد الحريري عليه. لا جدال في أن سعد الحريري يدفع باتجاه الحوار للوصول إلى الرئاسة. لكن هذه الرغبة لن تحقِّق مصلحة التيار والبلد، فضلاً عن أن الحريري ليس الرجل المناسب للتعامل مع الأزمة السورية في المرحلة المقبلة. الظروف لم تعد مثل السابق، والرؤية الإقليمية ليست متحمِّسة لعودة الحريري الذي يسعى منذ وفاة والده إلى اختزال تيار «المستقبل» في شخصه. لا شك في أن السنيورة جرّب ونجح. وهو يتصرف بعقل سياسي هادئ. وصراحته في لاهاي، لا تعني أنه يرغب في إحراق المركب، بل في التعامل بشجاعة وفروسية مع الشركاء. وشهادته في لاهاي، كأنها تقول لـ «حزب الله»، أنا أدري أنك تدري أنني أدري، لكنّني على استعداد للتعامل معك. الأكيد أن التسوية التي يتردد في لبنان أنها ستحمل الحريري إلى السرايا، والجنرال ميشال عون إلى بعبدا مختلة. الصحيح أن السنيورة إلى رئاسة الوزارة، وعون إلى الرئاسة. *نقلا عن "الحياة"