الشهرة مرض العصر الحديث، حيث أنه يفترض ركناً أساسيًا من النجاح بالمعادلة البائسة، مال زائد الشهرة يساوي نجاحاً مطلقاً على كافة الأصعدة، حيث يبث كمية من الأمل الكاذب، وفقاعة من الفرح المؤقت. وهذا هو العائق الاجتماعي الذي شل كثيراً من حركة المجتمع الايجابي وأصبحت أساليب المكافيلية هي المهيمنة على الموقف من الخداع إلى التدليس؛ وذلك لأهداف متعددة إما لتسويق منتج أو تسويق شخص ما، وارخصت الشهرة قيمة الإنسان وحتى لو كان بعرض حياتهم الخاصة، أو الإتجار بأبنائهم، وعرض نموذج سيئ لتربية أطفالهم، يلهثون خلف الأضواء لتضمن بقاءهم أعلاماً، حتى إذا ما تخلوا عن صدقهم، ومبادئهم، ونوايهم، والافتراض بالآخرين الغباء من أجل الانتشار المزعوم. الهدف هو بقاؤهم على الساحة، ”من لا يمارس الفضيلة إلا لاكتساب الشهرة كان أقرب الى الرذيلة“ نابيلون بونابارت. والحديث هنا عن الشهرة بكافة أصعدتها.
لا ننكر أن السوشال ميديا صنع افقًا جديدًا للفرد مادياً، حيث يكون متفاعلًا من إنسان عادي لشخص مشهور، بين عشية وضحاها، يهتم الناس بأدق تفاصيله، ثم تتهافت عليه الشركات والمؤسسات لتوقيع العقود التسويقية معه، من الناحية القانونية لا يتم ذلك على جدولة أسعار ثابته بل على أمزجة المشاهير هم أنفسهم من يتحكمون في الأسعار؛ اللوم الحقيقي لأصحاب السلطة المادية الذين ركزوا على العدد والكم ولم يركزوا على المحتوى والجودة، صنعوا من المشاهير أيقونة جديدة بعدة وجوه، من أجل ترويج بضائهم ومنتجاتهم على الصعيد الفني أو التسويقي، بلا حسيب ولا رقيب واللوم هنا يعود لسلطة الدولة التي لم تشرع قوانين واضحة تجاه من يغير أساليب الإعلان والتسويق بدون مرجعة قانونية واضحة؛ حيث يتمد الأمر بصنع القدوات في التخريب على نمط أساليب التربية في المنزل العربي الذي كان أساس تربيته من المنابر الدينة حتى احيل الحال إلى خلق جيل جديد من الشباب المتطلعين لحب المال وايذاع السيط. وذلك حين يستنزف المشهور من المحتوى ولم يجد ما يقدمه فإنه يتجه إلى خلق مشكلة أو تسليط الضوء على خصوصياته حتى يصبح الموضوع هوساً لدرجة إيذاء النفس. فالدول المتقدمة مثل أمريكا خصصت عدة مواقع رسمية تعمل تحت مصلحة الضرائب وتراقب المنتج والبائع والعمل على ضبط المجتمع بالطريقة القانونية وإتاحة العمل لجميع شرائح المجتمع بممارسة البيع المنظم والموثوق حيث يحفظ حق البائع وكبح طمع واستغلال التجار للمشاهير أو العكس.
لورد بايرون قال: ”الشهرة عطش الشباب ” فقديما كان السيط والانتشار يأتي من حسن العمل لا تأتي بالمصادفة وسرعة اتصال الانترنت؛ والمجتمع الحديث لا يدرك أن ليس كل مغمور فاشلاً أو متأخرة وإنما يدفع الشخص للنفاق والتملق، والتلون من أجل كسب أمر ما لذا؛ قال ابن خلدون: "قلما صادفت الشهرة والصيت موضعها في أحدٍ من طبقات الناس في أحد مجالاتهم على وجه العموم، وكثير ممن اشتهر بالشر وهو بخلافه وكثير ممن تجاوزت عنه الشهرة وهو أحق بها، وقد تصادف موضعها وتكون طبقًا على صاحبها، وإنَّ أثر الناس في إشهار شخص ما يدخل الذهول والتعصب والوهم والتشيع للمشهور، بل يدخله التصنع والتقرب لأصحاب الشهرة بالثناء والمدح وتحسين الأحوال وإشاعة الذكر بذلك، والنفوس مولعةٌ بحب الثناء، والناس متطاولون إلى الدنيا وأسبابها فتختل الشهرة عن أسبابها الحقيقة فتكون غير مطابقة للمشتهر بها“.([26]). فينصب أغلبية الجيل الجديد إلى الثراء السهل الذي يتم عن طريق الشهرة بكسب سفريات مجانية متعددة، أو بعمل تلفزيزني سينمائي، وكأنها خاتم سليمان أو العصا السحرية لحل مشاكل الفقر والعوز، وحلم الشباب الركون إلى الفكر الموحد هو ضربة حظ من السوشال ميديا، بنشر حفل زفاف خاص، ونشر علاقة زوجية أمام الملاء، رويداً رويداً ينضب نهر المال لقدم وتكرار الطرح، وهكذا بعد زمن ليس بعيد يتعرى المشهور ويبتعد عن الأضواء لظهور نجم جديد انتشر إما بسخافة منشورة على وسائل التواصل أو أي أمر أخر، وتجد الكثير مما ينتقد المشاهير هم أوائل المصفقين لهم حيث يتم استقطابهم في القنوات الرسمية.
وأخيرا: نختم بحكمة الدكتور مصطفى محمود: مجانين يا عزيزي هؤلاء الناس الذين يتخذون المال هدفًا، والشهرة غاية، والطمع خلقاً، والغرور مركباً. فمرض الشهرة سُعار مقيت، وقناع بغيض، خسارة نفس عظيمة إذا لم يستخدم لخدمة الإنسانية والدين والوطن.