سمير عطاالله
انشغلت مصر عن انتخاباتها النيابية لتغرق، ويغرق معها العالم العربي، في قضية المذيعة ريهام سعيد، وما عرف «بفتاة التحرش». وما قرأته من نصوص منقولة عما قالته ريهام سعيد، وعما نشرته من صور خاصة لضيفتها، يبعث، واسمحوا لي أن أستخدم هذا التعبير أول مرة منذ بدأت الكتابة لكم، على الغثيان. وأنا لا أكتب عن السيدة المذكورة، لأنني لا أحضر برامج من هذا النوع. لكن تصرفها ذّكرني بيوم ذهب الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى المستشفى لزيارة إحدى ضحايا التحرش وقال لها: «احنا هنجيبلك حقك». ريهام سعيد اعتدت على وعد الرئيس، واعتدت على حماية المرأة المصرية، وأباحت لزعران الشوارع ومهووسي الحرمان الجنسي أن يهتكوا كرامات النساء. ولست أستخدم كلاًما كبيًرا في قضية غير كبيرة. فكرت ملًيا في الأمر. وترددت طويلاً. وخفت أن تكون المذيعة مظلومة، كعادة الناس في الرجم قبل التحّقق والتفكير. لكن المسألة مسألة الإعلام المصري والإعلام العربي. وكل من أعطي كرسًيا تلفزيونًيا ينِّصب نفسه زعيًما على البشر، وقّواما على حياة الناس، ويعطي نفسه الحق في أن يقول ما يشاء. وفي هذه الحالة، أن يفعل ما يشاء. وفي دول القانون – ومنها مصر – التشهير من أسوأ الجرائم وأحط الارتكابات. لأن البعض منه، أي من التشهير، يلاحق الإنسان إلى القبر. وفي مجتمعات مثل مجتمعاتنا، إلى ما بعد ذلك. وقد اعتذرت القناة المعنية من الفتاة الضحية، ومن مشاهديها ومعلنيها. وهذه خطوة واجبة. ولكنَمن وماذا يمكن أن يرد حجم الضرر الذي لحق بالفتاة، وطبعا بالفتاة نفسها؟ لعلها مناسبة لأن يعيد بعض الإعلام المصري النظر فيما يفعله بمصر والمصريين. بعض الخفة فتنة. وبعض الإثارة خروج على روح الأسرة، والمجتمع والطيبة والتراحم، ووحدة الناس. الحرية ليست حرية الفضح والتعنيف والوصاية على خصوصيات الآخرين وحياتهم. ولعل الضحية الأولى في هذا الحدث الفوضوي اللامسؤول هي ريهام سعيد. فقد رسمت لنفسها صورة سوف تظل معها إلى وقت طويل، وستظل هذه الصورة في أذهان الناس، وإلى جانبها ضحيتها.
نقلا عن الشرق الأوسط