كانت ثورات الربيع العربي واحدة من اللحظات العصيبة في المنطقة، التي وضعت معظم حكام دولها تحت الاختبار، ونجح فيه القليلون. كان ملك السعودية الراحل عبد الله بن عبد العزيز واحدا من أولئك الزعماء الذين تمكنوا من حماية بلدانهم رغم العواصف العاتية.
لم تترك ثورات الربيع دولة عربية دون تهديد. كانت الثورات ترى في المملكة الجائزة الحقيقية. لكن عبد الله كان صلباً وهو يواجه الأحداث في المنقطة، والاختبارات المستمرة، وكان من بينها الثورة الليبية بكل تأكيد.
كان القرار السياسي السعودي متحفظا بشأن التدخل العسكري في ليبيا رغم الخلاف الشديد بين الدولتين. الرئيس الليبي معمر القذافي هو من رتب خطة الاغتيال للملك عبد الله وموّلها. تصرف كهذا كان سيجعل السعودية منطقيا أول الدول المتلهفة للانتقام من الزعيم الليبي ونظامه.
بيد أن ما حدث كان هو العكس. لم تشأ السعودية التدخل في ليبيا، فما يحدث شأن ليبي داخلي خاص، وعلى الليبيين وحدهم تقرير ذلك. كان وضع الثورة الليبية غائما، ولم يعرف أحد ما العمل. الحماس أخذ كثيرين في المنطقة، وتبدت الرغبة في تغيير أي شيء، دون إعداد خطة بديلة، وتهيئة الأرض للتغيير. كانت هذه معضلة ثورات الربيع العربي.
قبلها كان القذافي قد أرسل شكره للسعودية على مواقفها عبارة عن تسجيلات للحمدين كانا يحرضان فيها على الثورة على السعودية، وتقسيم المملكة، والحصول على نصيبهم منها.
كان موقف المملكة في عهد عبد الله هو عدم المشاركة مع حلف الناتو في ضرب دولة عربية وإسلامية، والحفاظ على مبدأها السياسي الرئيسي: عدم التدخل في شؤون الغير. وتبدت الدهشة في كثيرين وهم يشاهدون الحماسة القطرية للتدخل في بلد يبعد عنها عشرات الآلاف من الكيلومترات.
فيما بعد سيرى كثيرون في طريقة مقتل القذافي، من قبل الجماعات المؤيدة لقطر، عملية مشابهة للعبث بمسرح الجريمة لإخفاء الأدلة. كانت قطر حمد، وفرنسا ساركوزي، تخشيان أن يتحدث معمر، ويخرج الأمر عن السيطرة.
وخلال عشاء خاص، كان راعيه وداعيه الملك المغربي محمد السادس، دار حوار بين مجموعة من المسؤولين الكبار في دول المنطقة عن الأزمة في ليبيا. كان الحضور إضافة إلى الملك المغربي، الشيخ محمد بن زايد، ومهدي بن جمعة رئيس وزراء تونس وقتها، والشيخة موزة، وشخصية سعودية رفيعة.
خلال العشاء كانت الشيخة موزة تقول للحضور إن قطر والإمارات قامتا بالدور المطلوب لتخليص الشعب الليبي من الطاغية. وكان لمستشار سعودي كبير، وعضو من الأسرة الملكية، رأي آخر، مبينا موقف حكومته بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وعدم تعريض كيان الدولة الليبية للتفكك.
حاولت الشيخة موزة استمالة الشيخ محمد بن زايد لرأيها في الحوار، لكن الأمير السعودي الحاضر بفعل وفعالية، في الدولة وعلى الطاولة، أشار إلى أن موقف المملكة كان يحمي الليبيين من المصير الذي يواجهونه حاليا.
لم تجد الشيخة موزة سوى أن تداري حرجها قائلة انها من مواليد بنغازي ولذلك تكره القذافي. إن كره الشيخة موزة للقذافي يعود لأسباب شخصية.
إن وجهة نظر الملكية السعودية هو إن أي قائد وطني يأتي على دبابات قوة غربية لن يكون مقبولا من المواطنين. هذا هو الأمر الذي دائماً ما سيجعل البلدان المتغيرة عرضة لعدم الاستقرار المستمر.