كان الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي مشغولاً طوال هذا الأسبوع بإعداد البرنامج المكثف الذي فرضته التطورات الأخيرة في اليمن وليبيا وسورية والعراق. كذلك استعد الزعماء العرب للسفر إلى شرم الشيخ، حيث تعقد القمة العربية في دورتها السادسة والعشرين. وأكد مندوب اليمن لدى الجامعة السفير محمد الهيصمي أن الرئيس عبد ربه منصور هادي سيشارك في أعمال القمة، ليقدم للحضور صورة واقعية عن الانهيارات الأمنية التي تشهدها بلاده. ومع أن وجوده في عدن نقل مسؤوليات الحكم من صنعاء، إلا أن التمدد الحوثي دفعه إلى تغيير مكان إقامته. ويقول مرافقوه أن التهديد باغتياله في العاصمة صنعاء أجبره على الفرار إلى مدينة عدن. ويبدو أن طهران التي تورطت في دعم مشروع الحوثيين الذين يشكل انتماؤهم المذهبي ما نسبته أربعين في المئة من مجموع سكان اليمن، قد راهنت على إنهاء سلطة رئاسة هادي وقادة الجيش النظامي. والسبب أنها توقعت صدور مقررات عن قمة شرم الشيخ تجدد فكرة الحوار الوطني الذي اقترحته الرياض لإعادة الأمن والاستقرار إلى اليمن. وهذا معناه إعادة صنعاء إلى الحظيرة العربية، ومنعها من السقوط التدرجي في حضن إيران. لهذا السبب وسواه، اندفعت ميليشيات الحوثيين باتجاه قاعدة «العند» الجوية حيث تتمركز قوات أميركية انحصرت مهمتها بتوجيه ضربات إلى «القاعدة» بواسطة الطائرات من دون طيار. وسارع الأميركيون إلى إخلاء «العند» والانتقال إلى موقع آخر أكثر أمناً. وبسرعة مذهلة أخرجت الولايات المتحدة جميع قواتها من القاعدة الجوية، وأغلقت سفارتها في صنعاء، وتم تعليق هجماتها على مواقع «القاعدة». وكان تنظيم «القاعدة»، منذ عهد أسامة بن لادن، قد جعل من اليمن الموقع الأقوى له ولنشاطاته في شبه الجزيرة العربية، خصوصاً بعد طرده من المملكة العربية السعودية. وربما ساهم في توسيع نفوذ التنظيم تهميش دور الرئيس السابق علي عبدالله صالح. وعلى رغم إصابته الخطيرة وإبعاده من مركز القوة، فهو ما زال يتطلع إلى إقصاء الرئيس هادي والعودة إلى الحكم من جديد. وقد شجعه على ركوب هذا المركب الخشن إشرافه السابق على محاربة الحوثيين في الشمال، وتحالفه مع القبائل السُنّية التي ظلت موالية له. وذكرت وكالات الأنباء أن الحوثيين دخلوا إلى منطقة سناح في محافظة الضالع بمساندة قوات عسكرية موالية لصالح. ثم طوّقوا عدن من ثلاث جهات، وأكملوا زحفهم نحو مدينة تعز ومضيق باب المندب، الأمر الذي يمكّنهم من مراقبة السفن المتوجهة إلى البحر الأحمر. والثابت أن إيران أرسلت بارجتين حربيتين إلى منطقة عدن بهدف دعم سيطرة الحوثيين على باب المندب، تماماً مثلما نشرت نفوذها حول مضيق هرمز. وقالت القاهرة في هذا الصدد أنها تراقب باهتمام وحذر التحركات الإقليمية التي تقوم بها البحرية الإيرانية، وأنها لن تمسح بتمركز أي جهة غريبة في مدخل البحر الأحمر. ولكن، ماذا يعني هذا التهديد؟ وهل مصر مستعدة لتوسيع عمليات القصف التي باشرت بها قوات المملكة العربية السعودية؟ خصوصاً بعد تبني «داعش» عملية نسف مسجدي بدر والحشوش في صنعاء. ولم تكن تلك العملية سوى المدخل لإرسال قوات «داعشية» أعلنت أنها ستحارب جماعة الحوثيين الشيعة... والجيش النظامي، إضافة إلى تنظيم «القاعدة». ومعنى هذا أن اليمن سيتحول إلى ساحة مشرَّعة لحرب أهلية لا بد من أن تجذب إيران إلى أتونها. والسبب أن طهران تعاملت مع وكلائها في المنطقة بكثير من التأني والحذر، تاركة للعراق ولسورية وللبنان ولحركة «حماس» القناع العربي. ولكنها في المسألة اليمنية مضطرة إلى الانزلاق عملياً بحيث يحدث الانشطار - كما في كوريا والسودان - الأمر الذي يمنحها فرصة السيطرة على أهم ثاني مضيق في عالم النفط والتجارة العالمية. وتتساءل العواصم الكبرى عن الدوافع السياسية والأمنية التي فجَّرت الموقف، وحضَّت المملكة العربية السعودية على القيام بعملية عسكرية واسعة ضد المتمردين الحوثيين تحت مسمى «عاصفة الحزم»، بمشاركة أكثر من عشر دول. وأكدت دول مجلس التعاون الخليجي - ما عدا سلطنة عُمان - في بيان مشترك أنها قررت تلبية نداء الرئيس بالتدخل لحماية وضعه الشرعي. وكان هادي قد تعهد في أول خطاب ألقاه بعد وصوله إلى عدن، رفع العلم اليمني فوق «جبال مران» بدلاً من العلم الإيراني الذي رفعه الحوثيون. وتضمن الخطاب شروطاً عدة أهمها: أولاً - انسحاب كل العناصر المسلحة واللجان المفروضة من الميليشيات المسلحة في كل الوزارات والمؤسسات الرسمية. ثانياً - سحب كل العناصر المسلحة من العاصمة صنعاء والمدن الأخرى. ثالثاً - إعادة كل الأسلحة الثقيلة والخفيفة والمتوسطة المنهوبة من معسكرات ووحدات القوات المسلحة والأمن. رابعاً - العمل على تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي كافة، والعودة إلى المبادرة الخليجية التي أيّدتها الدول العشر الراعية المبادرة. وتزامن خطاب الرئيس هادي مع المؤتمر الاستثنائي الذي عُقِد في الرياض في حضور ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، وولي عهد أبو ظبي الشيح محمد بن زايد، وولي عهد البحرين الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، ووزيري داخلية الكويت وقطر. وتطرق المجتمعون إلى الأخطار المحدِقة بدولهم، نتيجة احتلال الحوثيين المناطق اليمنية، وتهديد سيادة الحدود. تقول مصادر الأمم المتحدة أن المسمى الذي اختارته الرياض، شعاراً للحملة العسكرية، يذكّر بالاسم الذي اختير عام 1991، أثناء طرد قوات صدّام حسين من الكويت. ذلك أن «عاصفة الصحراء» أصبحت «عاصفة الحزم» للتدليل على أن الصبر على الارتكابات لا يعني أن المرء لا «يحزم» أمره في آخر المطاف. ومنذ وصول البعثة الحوثية الأولى إلى إيران بهدف التدريب على القتال، وعددها 600 محارب، باشرت السعودية في تحصين حدودها الجبلية الجنوبية. لكن بناء السياج العازل الممتد على طول الحدود البالغة ألفي كيلومتر من البحر الأحمر غرباً إلى سلطنة عُمان شرقاً، لم يمنع الحوثيين من القيام بأعمال استفزازية صرفة، بينها إجراء مناورات بأسلحة ثقيلة سُرِقت من مخازن القوات اليمنية النظامية. وتؤكد مصادر سعودية أن الميليشيات الحوثية تقدمت على ما يعرف دولياً بـ «الحرم الحدودي» من الناحية الجنوبية، أي أنها أضافت إلى العشرة كيلومترات، المُعتَبَرة خطاً وهمياً، عشرة كيلومترات أخرى. ولم تكن قيادات هذه الميليشيات تتوقع من المملكة العربية السعودية رداً حازماً يمنع ازدياد حالات القضم والاستفزاز. كما أن إيران لم تكن تتوقع قيام مئة مقاتلة حربية بضرب المواقع الاستراتيجية، مع إعلان استنفار مئة وخمسين ألف جندي، إضافة إلى تحرك عشر قطع بحرية لحماية القاعدة الحربية في البحر الأحمر. ومنعاً لإظهار موقفها الحقيقي، كلّفت طهران الناطقة باسم وزارة الخارجية مرضية أفخم بالإعراب عن استهجانها لخطورة انتهاك المسؤوليات الدولية والسيادة الوطنية اليمنية. وقالت أيضاً أن «هذا العمل العسكري يمكن أن يزيد من تعقيد الوضع، واتساع الأزمة، والقضاء على فرص التوصل إلى حل سلمي للخلافات الداخلية في اليمن». وردت الصحف الخليجية على هذا البيان بالقول أن عبدالملك الحوثي لم يُعِرْ دعوات التهدئة أي اهتمام، وأكمل تهديده للمناطق الشمالية والجنوبية معاً. ولم يكن الموقف العربي الموحَّد سوى نتيجة منطقية لتهديم دولة تشكل العمق الاستراتيجي لأمن الخليج. كما تشكل بالتالي عامل استقرار في أهم المواقع الجغرافية حساسية. ذلك أن الاستيلاء على مضيق باب المندب من قِبَل إيران، بواسطة الحوثيين، يمثل تهديداً مباشراً للملاحة البحرية وإمدادات الطاقة إلى أوروبا وآسيا والولايات المتحدة. مصادر الإعلام الغربي حاولت استدراج المسؤولين الإيرانيين بغية الاطلاع على طبيعة ردود فعل طهران، وما إذا كانت ستنزلق إلى حماية النظام الذي ساندته، كما فعلت في سورية والعراق. ردود الفعل كانت متحفظة وهادئة على عكس ما كان ينتظره الحوثيون الذين جعل زعيمهم عبدالملك من «حزب الله» قدوته ومثاله. لذلك، أطلق على المقاتلين اسم «أنصار الله»، وتوقع من السيد حسن نصرالله النجدة بإرسال خمسمئة عنصر، على نحو ما فعل في سورية والعراق. بقي السؤال المتعلق بقرار الحرب الذي اتخذته السعودية التي عُرِفَت سياستها بالهدوء وترجيح كفة الديبلوماسية على كفة النزاع. السيناريوات الصادرة عن ممثلي الأمم المتحدة تشير إلى وجود مخطط لنقل تمدد النفوذ الحوثي من داخل حدود اليمن إلى داخل حدود السعودية والبحرين. ومن أجل عدم حصر النزاع بقوات «درع الجزيرة»، قامت السعودية بتشكيل تحالف دولي يضم دولاً غير عربية، مثل باكستان، بحيث تتحول مشكلة اليمن إلى مشكلة دولية. والسبب أن تدخل الجيوش العربية وحدها من شأنه أن يجر تدخلاً إيرانياً مباشراً في اليمن، خصوصاً أن عبدالملك الحوثي سيطالب برعاية إيرانية، وباعتراف الأمم المتحدة والولايات المتحدة بسلطته على اليمن. وهو بالطبع ينتظر توقيع طهران على الاتفاق النووي مع واشنطن، على أمل انضمام إيران إلى منظومة دولية تسعى إلى حل الأزمات العالقة في سورية والعراق وليبيا واليمن. عندذاك يطلب من هذه المنظومة إدخال الحوثيين في الجسم السياسي العربي في حال ارتضت إيران أن تتخلى عن طموحاتها الفارسية، وتصبح جزءاً من تشكيلة إقليمية تتعايش في ظلها الأديان التي أنكرها «داعش».