تتحدث التقارير الصحفية عن أن المنضمين لتنظيم الدولة الإسلامية، المعروف إعلاميا باسم داعش، من دول المغرب العربي قد قفز بداية العام الجاري، 2015، من 1500 مقاتل في صفوف التنظيم، إلى ما يقرب من 2500 مقاتل مغربي، بحسب ما أفاد به مركز الشمال لحقوق الإنسان. وفيما تعاملت القيادة المغربية بذكاء، بحسب ما يرى مراقبون، مع موجة الربيع العربي التي ظهرت بوادرها بعدة مدن بالمغربية في 20 فبراير 2011، وظهور حركة اتخذت من ذلك التاريخ اسما وشعارا لها تطاالب بتغييرات سياسية واقتصادية، الأمر الذي دفع ملك اللبلاد محمد السادس بإجراء تعديلات وإصلاحات دستورية، كان من شأنه اعطاء صلاحيات أكبر لحكومة وبرلمان منتخب. تواجهه المملكة، شأنها شأن باقي دول شمال افريقيا خصوصا، والدول العربية عموما، من انغماس شريحة من مواطنيها في القتال في الصراع الدائر بسوريا الذي أندلع بعدما فشل الحراك السلمي بها، وهو ما مهد لظهور جماعات مسلحة سوريا، احتضنت مقاتلين أجانب، ثم لحقها جماعات ذات خلفية إسلامية متطرفة كجبهة النصرة (فرع تنظيم القااعدة بالشام)، ومن بعدها تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام (داعش). وتحاول دول عربية وغربية مواجهة هذه التنظيمات المتطرفة التي صار لها أذرع بكثير من دول العالم، بما فيها الدول الغربية، بالقتال، إذ دشن تحالفا عسكريا ضد التنظيم في العراق وسوريا، وتحاول بلاد كمصر لتكوين تحالفا آخر يحارب التنظيم ذاته بليبيا المضربة أمنيا وسياسيا. في المقابل، تختار المملكة المغربية المواجهة الفكرية، إذ دشن العاهل المغربي أول أمس بالرباط معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات كمنارة للعلم و التسامح ومؤسسة دينية ذات بعد دولي وتعد هذه المؤسسة الجديدة، المخصصة لاستقبال الأئمة مغاربة وآخرين من بلدان عربية وإفريقية وأوروبية، والتي تطلب إنجازها استثمارات بقيمة 230 مليون درهم، تجسيدا للدور السامي لإمارة المؤمنين باعتبارها الضامن لممارسة الشعائر الدينية الإسلامية الحقة، التي تقوم في جوهرها على التسامح و الانفتاح، وترتكز على العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف السني. ويندرج إنجازها في إطار تنفيذ استراتيجية مندمجة تروم بث قيم الإسلام المعتدل لدى الأجيال الشابة من الأئمة المرشدين والمرشدات، و هي القيم التي سادت في المغرب على الدوام، وذلك بهدف تحصين المغرب من نزعات التطرف المنحرفة التي تنتشر في العالم. و سيضطلع المعهد الجديد بدور هام إلى جانب باقي المؤسسات في الحفاظ على الهوية الإسلامية للمغرب التي تحمل طابع الاعتدال و الانفتاح والتسامح. و تستند هذه الإستراتيجية المندمجة والشاملة ومتعددة الأبعاد، إلى ثلاثة أركان، هي الركن المؤسساتي، وركن التأطير الناجع، والتكوين العلمي الحديث المتجدد باستمرار. وتطبيقا لهذا الركن الأخير، يأتي إنجاز معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات. ويشتمل المعهد الجديد (28 ألف و687 متر مربع)، الذي تبلغ طاقته البيداغوجية 1000 مقعد، والذي كان جلالة الملك، حفظه الله، قد أعطى انطلاقة أشغال إنجازه في 12 ماي 2014، على جناح بيداغوجي يحتوي على مدرجات، وقاعات للدروس والمعلوميات، وقاعة متعددة الاختصاصات، ومسجد “الأخوة الإسلامية”، ومكتبة تضم رصيدا وثائقيا غنيا و متنوعا. كما يشتمل معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، على جناح للإيواء والإطعام يشتمل على 310 غرفة (700 سرير)، ومطعمين، إلى جانب جناح سوسيو- رياضي. وعلاوة على دورها المتمثل في صيانة الأمن الروحي للمغاربة ووحدة المذهب المالكي، من شأن هذه المؤسسة مصاحبة المملكة في عزمها على إرساء شراكة مع البلدان الإفريقية الشقيقة و الصديقة، لاسيما إثر قرار أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، القاضي بالاستجابة للطلبات المتعلقة بتكوين الأئمة والواعظين المنحدرين من الدول الإفريقية بالمغرب، كتونس ومالي وغينيا كوناكري والكوت ديفوار، إلى جانب طلبات واردة من بلدان أوربية. وفضلا عن الطلبة المغاربة المسجلين، والذين يصل عددهم إلى 150 إماما مرشدا و100 مرشدة في السنة، يستقبل المعهد حاليا 447 طالبا أجنبيا ينحدرون من مالي (212 طالب)، وتونس (37)، وغينيا كوناكري (100)، والكوت ديفوار (75)، وفرنسا (23). كما ستؤمن هذه المؤسسة، المنجزة من طرف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، بفضل طاقم بيداغوجي وإداري من مستوى عال، تكوينات ملائمة وذات جودة، ستتيح للطلبة المسجلين، القيام بمهام التأطير والوعظ الموكولة لهم على أكمل وجه.