أدى تفاقم الأوضاع الأمنية والعسكرية في اليمن خلال الأشهر الماضية إلى توجيه الأنظار بشكل متزايد نحو المخاطر المحدقة من وصول نيران الحرب اليمنية إلى باب المندب، أو اتساع دائرة الحرب إلى أبعد من حدود اليمن. ومع انطلاق الضربات الجوية التي تقودها السعودية تحت اسم "عاصفة الحزم" تزداد هذه المخاوف يوم بعد يوم، فرغم محدودية مصادر الطاقة في اليمن مقارنة مع دول النفط والغاز كالسعودية والعراق وإيران وقطر إلا أنها تشرف على مدخل مضيق باب المندب أحد أهم المواقع الجيوسياسية والحيوية للتجارة العالمية فعلى الصعيد الإقليمي يشكل المضيق شريانا حيويا للتجارة في الدول المطلة على البحر الأحمر بدءا باليمن وانتهاء بمصر مرورا بجيبوتي وارتيريا والسودان والسعودية وإسرائيل والأردن. ويعتبر المضيق "هبة الحياة" بالنسبة لقناة السويس التي تدر على مصر ما يزيد على 5 مليارات دولار سنويا. ويحتل المضيق المرتبة الثالثة عالميا من حيث الأهمية الإستراتيجية بعد مضيق هرمز ومضيق ملاقا، حيث تمر عبره الآلاف من ناقلات نفط الخليج وناقلات البضائع الأخرى بين آسيا وأوروبا وحوض المتوسط وشمال أمريكا. وتذهب التقديرات إلى أن 13 % من إنتاج النفط العالمي، أي نحو 4 ملايين طن تمر يوميا عبر المضيق باتجاه قناة السويس ومنها إلى بقية أنحاء العالم، ويمر عبر المضيق سنويا ما يزيد على 21 ألف سفينة محملة بشتى أنواع البضائع. و وصول نار الحرب إلى باب المندب سيرفع تكاليف النقل والتأمين ويضر بالتجارة العالمية لاسيما في حال حدوث مواجهات عسكرية تؤدي إلى تعطيل حركة الملاحة البحرية من خلاله. أولى ردود الأفعال على هذه المخاوف حدثت في سوق النفط الذي ارتفع سعر برميله بنسبة زادت على 5 % بعيد انطلاق عاصفة الحزم. ويؤكد غالبية الخبراء والمحللين أنّ استمرار العمليات العسكرية في إطارها الحالي لن يجعل الأمور تسير بشكل دراماتيكي لأن المعروض في سوق النفط سيحافظ على مستواه على الأٌقل في المستوى القريب، إلا أنهم حذروا من طول أمد هذه العمليات ووصول شظاياها مضيق باب المندب وإلى منشآت النفط السعودية. وأوضاف ماساكي سويماتسو مدير وحدة الطاقة في شركة "نيو ايدج" اليابان للوساطة المالية أن وصول الحرب الي مضيق باب المندب سيحدث أثرا هائلا في الأسواق العالمية. وعن الوضع اليمني يُجمع المحللون على أن استمرار الحرب بين الأطراف اليمنية من جهة ودخول قوى إقليمية وعالمية ساحتها من جهة أخرى يزيد من حدة مشكلة الفقر المزمن وغياب فرص التنمية في اليمن. وأشاروا إلى أنّ المساس بباب المندب سيحرم اليمن عائداته النفطية التي تراجعت من 2.7 مليار دولار في عام 2013 إلى 1.7 مليار دولار في العام الماضي بسبب التراجع المستمر في الإنتاج والتصدير ويقدر الخبراء أن البلاد تخسر سنويا بحدود 5 مليارات دولار من عائدات تصدير النفط وتجارة سلع أخرى نتيجة المواجهات العسكرية، لافتين إلى أنّ المواجهات تهدد السير الطبيعي للدورة الاقتصادية في مختلف المناطق اليمنية، وتعطل المشاريع الهادفة لاستعادة الأهمية الاقتصادية لمنطقة عدن ومحيطها كمركز إقليمي لتزويد السفن المتجهة إلى البحر الأحمر عبر مضيق باب المندب بالتموين والوقود. ويزيد من أهمية المنطقة التي يطلق عليها "العاصمة الاقتصادية لليمن" وجود مصفاة للنفط وميناء لتموين السفن بالوقود فضلا عن المنطقة الحرة عدن التي تمتلك مقومات تقديم خدمات التموين والترانزيت للسفن ووسائط النقل الأخرى. إن استمرار الحرب اليمنية لا يحرم اليمن من عائداته النفطية فقط، بل ومن مشاريعه التنموية أيضا. وعن دول الخليج التي تقوم اقتصادياتها بشكل رئيسي وبنسب تتراوح بين 60 إلى 95 % على عائدات النفط فإن استيلاء الحوثيون على مضيق باب المندب لن يضر السعودية وحدها بل ودول الخليج ومصر والدول المطلة على البحر الأحمر. ويتوقع خبراء أن في حال وصلت مليشيات الحوثي إلى المضيق ووصلت الشظايا إلى مضيق باب المندب وإلى هذه الدول فإن أسعار النفط ستواصل الارتفاع بسبب المخاوف من تراجع إنتاجه وتعثر نقله إلى الأسواق العالمية.