منذ اللحظات الأولى التي تحدثت فيها الأنباء عن اختفاء صحافي سعودي في قنصلية المملكة في إسطنبول، بدا وكأن خطاً إعلاميا ممنهجاً ليس له هدف في البحث عن الصحافي المفقود، بقدر ما هو مشغول بالكيفية التي يستطيع من خلالها اغتيال صورة ولي العهد، الإصلاحي، في الغرب، وإعادة تصديرها بشكل سلبي، لضرب مصداقيته، وإضعاف دور المملكة في العالم.
وحين كشفت السعودية بشكل رسمي عن ضلوع عدد من أفراد جهازها الاستخباراتي في تنفيذ هذه الجريمة المقيتة، ومحاولة التكتم عليها، استمرت الحملة بشكل كبير على الأمير محمد بن سلمان، ولم يعد الهم هو البحث عن العدالة لإنسان تعرض لجريمة وحشية، بل محاولة إيجاد أي خيط يربط أحد الجناة بولي العهد السعودي، لا أكثر.
كصحافي، لا يمكن أن أقبل بمقتل صاحب رأي، أو منعه من التعبير عنه. وأرى في ما حدث في القنصلية السعودية جريمة بشعة لا يمكن لأي أحد الدفاع عنها. عملية مقززة قام بها أشخاص مجرمون، لا علاقة بهم بالأخلاق، ولا القانون. قلت في تصريح لوكالة "أسوشيتيد برس"، ونقلته عشرات الصحف الأمريكية، ان ما قرأته عما حدث جعلني أشعر بأنه: "فيلم هوليوودي". وبالفعل هكذا كان. فيلم رعب، رديء الإخراج، ينفذه مرضى نفسيون.
مع صدور التحقيق الرسمي في الحادثة، واعفاء نائب رئيس الاستخبارات، ومساءلة نحو 18 شخصا كانوا على علاقة بهذه الحادثة، تحول الأمر إلى من "حالة اختفاء" إلى "جريمة" يتم التحقيق فيها وفق الأنظمة، والقوانين. الذين يريدون العدالة لروح الراحل السيد خاشقجي سيحصلون عليها. أما الذين يريدون قتل التجربة السعودية، وتصوير المملكة على إنها دولة إرهابية، وضرب مصداقية ولي العهد، فإنهم سيفشلون في ذلك بكل تأكيد.
ولكن من هم أولئك الذين يهمهم إنهاء الدور السعودي، واغتيال صورة ولي العهد؟
يأتي في المقام الأول الخلايا القطرية التي أصابها الأمير الشاب في مقتل، أولا بقرار السعودية مقاطعة قطر، ووضعها في مكانها الطبيعي، وثانياً بالقضاء على اللوبي القطري في المملكة تماماً. وليس أخيراً تحجيم فكرة الإسلام السياسي، التي تحاول قطر دعمها، وفرض أجندتها الرجعية على المنطقة.
صرفت قطر على مشاريعها التخريبية خارج حدودها، أكثر مما صرفته على تنمية شعبها، وضمان مستقبله. هذا ما جعل نظام الدوحة في حالة انكشاف مخزية، فالرجال الحالمون بحكم العالم العربي، وتفتيت دوله الكبرى، لا يستطيعون ضمان الحليب لشعب لا يجاوز عدده نصف المليون نسمة. وبلغ القلق مبلغه داخل هذا الشعب الذي قيل له إن بلاده دولة عظمى، ما حدا بقناة الجزيرة، المدفعية الثقيلة للدوحة، أن تهب لتطمين الرأي العام الداخلي، ببث مباشر لوصول ثلاثة آلاف بقرة، مع شارة عاجل الحمراء، التي تشتهر بها القناة.
كان المشهد عبثياً ومذلاً بكل تأكيد.
وفي الخانة الثانية تأتي إيران، وعملاءها في المنطقة، والعالم. لقد قضى الأمير محمد بن سلمان على أحلام طهران التوسعية بشكل كبير، سواء من خلال إطلاق عملية عاصفة الحزم، وكذلك العمل الدبلوماسي الممنهج، خصوصا في العراق ولبنان، والتحرك الدولي، الذي نتج عنها إصابة إيران في مقتل، من خلال منع العالم من شراء نفطها، الأمر الذي يترتب عليه منعها من القدرة على تمويل مشاريعها الإرهابية في العالم.
وفي الخانة الثالثة الإرهابيون. لقد حارب ولي العهد السعودي التطرف في كل مكان. كان جريئاً في فرض إصلاحات اجتماعية، وإعطاء المرأة حقوقها الإسلامية، ومنع دعاة التطرف من السيطرة على الخطاب الديني في المملكة. وتجريم خطاب العنصرية والكراهية.
إنني أرى ثلاثة من محاور الشر في العالم الجديد، يحاولون عبر خلاياهم في العالم اغتيال صورة السعودية، وولي عهدها، ومنع المملكة من تحقيق مشروعها التنموي، الذي يفيد المنطقة، والعالم. وفق رؤية الأمير محمد بن سلمان فإن المملكة لا ترغب في عزل نفسها عن العالم، وبناء اقتصادها فحسب، بل بناء شراكات ضخمة مع دول الجوار، والشركات العالمية. قال ولي العهد أمام حشد ضخم من المستثمرين في "مؤتمر مبادرة الاستثمار" إن "الشرق الأوسط يمكن أن يكون أوروبا الجديدة". نعم هذا هو حلم حياته.
وبينما تحاول دول مثل قطر وإيران والتنظيمات المتطرفة، تفتيت الدول التي تجاورها، تفكر السعودية في شراكات تربط دول الجوار ببعضها البعض. هناك اتفاقيات ضخمة بين السعودية من جهة، ودول مثل مصر والأردن والبحرين والإمارات والكويت والسودان وأثيوبيا واليمن، وغيرها الكثير الكثير. الهدف السعودي هو إقليم مستقر، وتنمية تجلب الرفاهية لدول الجوار، ومنع شباب المنطقة ككل من الانجذاب إلى الجماعات الإرهابية، وتهديد السلام العالمي.
يحاول ولي العهد السعودي الشاب بناء دولة عصرية، حديثة، قوامها المعرفة، والتكنلوجيا، والطاقات الشبابية التي تمثل زهاء سبعين في المئة من عدد سكان هذه المملكة الغنية بالنفط، والتطلعات. يحلم برؤية منطقة معتدلة، تنهمك في التنمية، أكثر من الحروب، والمكائد السياسية.
ورغم أن هذا الحلم يبدو للوهلة الأولى، حلماً مفترضاً لمعظم شعوب المنطقة، إلا أن البعض يرغب في اغتيال الحلم، وإغراق المنطقة في كوابيس مزعجة.
كلام جيد وفي مكانه و إني أدعمه كاملا