يلح الرئيس اليمنى عبدربه منصور هادى فى استعجال «التدخل البرى» فى بلاده، لكن التحالف العشرى الذى يخوض حربا ضد الحوثيين وحليفهم المخلوع على عبدالله صالح- ليس فى عجلة من أمره. ولا أعتقد أنه سينساق سريعا وراء هذه الدعوة التى تتلافى معطيات على الأرض لا يمكن تجاهلها ولا إنكارها، تتعلق بالثمن الباهظ الذى سيدفعه المندفعون برا إلى ساحة اليمن، وإلى احتمالات تقلب الحرب كعادتها، أو تمكن أطراف إقليمية، على رأسها إيران، من أن تصنع من اليمن مستنقعا جديدا لمن يجتاحه، وقد يتمدد النزيف فيسحب أماكن أخرى أبعد بكثير من صنعاء وعدن وما حولهما، بفعل قانون الحرب الذى يقول صراحة: إنك قد تعرف البداية لكنك لا تعرف النهاية. فأمر التدخل البرى- إن لزم الأمر كما يقال- ليس قطعا بسهولة شن ضربات جوية ضد ميليشيات وبقايا جيش دفاعاته الجوية عتيقة ومتهالكة، ولم تجهز أصلا لمواجهة هذه الطرز المتقدمة من الطائرات المقاتلة. أما على الأرض فتقل الفجوة التقنية بين المتحاربين إلى حد كبير، وتظهر الميزة النسبية لصاحب الأرض، الذى يدرى بشعابها وفجاجها وسهولها ووهادها، ولا سيما فى بيئة جغرافية وَعْرة، ومع شعب مسلح، إذ يملك المدنيون اليمنيون ستين مليون قطعة سلاح، بدءا من الجنبية، وهى خنجر حاد، إلى الكلاشينكوف، بمعدل ثلاث قطع لكل فرد. وربما لهذه الأسباب قطعت السعودية، على لسان العميد أحمد عسيرى، المتحدث باسم قوات التحالف- بأنها لن ترسل قوات برية إلى اليمن، حيث قال: «لن نتدخل برا إلا اذا أصبحت مثل هذه العمليات ضرورية، وإنه يمكن أن تكون هناك عملية برية محدودة فى مناطق محددة، وفى أوقات محددة.. وإنه لا يجب توقع أن يحدث تحول بصورة آلية إلى عملية برية، ولا يجب التركيز على العملية البرية، باعتبارها ضرورة ما أمكن تحقيق الأهداف عبر وسائل أخرى». لكن السؤال الذى يجب طرحه هنا هو: هل يمكن تفادى الحرب البرية؟ وإذا كانت شرا لا بد منه، فمن أين تبدأ؟ وكيف تدار؟ وما الأطراف التى لديها استعداد جازم وحاسم لخوضها من البداية حتى النهاية؟ أعتقد أن هذه الأسئلة تدور فى أذهان القائمين على قوات التحالف، وأتصور أنهم حريصون على تأخير التدخل البرى بقدر المستطاع، وإن أمكن تفاديه، فهذا أفضل، والتفادى إما أن يكون بقدرة سلاح الجو على ترجيح كفة أنصار هادى على الدفاع عن عدن وتخليص الجنوب من أتباع الحوثيين وصالح ثم زحفهم نحو الشمال بعد انضمام قبائل وألوية من الجيش إليهم، أو بنجاح العمليات الاستخباراتية فى شق الصف بين الحوثيين وصالح، أو بإضعاف هذين الحليفين إلى درجة أنهما يسارعان إلى مائدة التفاوض والحوار، ولا سيما أن العاهل السعودى- الملك سلمان قال قبل أيام إن أبواب المملكة مفتوحة لكل الأطراف اليمنية. فى النهاية، لن تستمر الحرب إلى الأبد، إنما هى مقدمة لعملية سياسية منتظرة، وحتى أثناء جريان الحرب، فهى ممارسة للسياسة بوسائل أخرى، ما يعنى أن السياسة آتية، لا ريب فيها. وكلما كان هذا مبكرا كان أفضل، حفاظا على أرواح الناس، وخوفا من انزلاق الوضع إلى حرب أهلية لا أفق لها، وحرصا على عدم تدمير ما تبقى من الجيش اليمنى، لأن عواقب هذا وخيمة، وستسقط البلاد أكثر فى أيدى الميليشيات من الحوثيين والقاعدة على حد سواء، ومنعا لتحويل اليمن، كما هى سوريا وليبيا، إلى بلد عربى آخر مصدر للمشردين واللاجئين، إلى جانب إنقاذ البنية التحتية والأبنية الحكومية التى باتت محل استهداف جراء قيام الحوثيين باستعمالها مخازن للأسلحة أو أماكن للتجمع داخل المدن. أما إن استمرت الحرب، ولم يأت الحوثى إلى التفاوض، ولم تحسم الضربات الجوية الوضع على الأرض، بل تمكن الحوثيون وقوات صالح من التغلغل أكثر داخل مدن الجنوب، فقد تظهر خيارات أخرى منها تسليح الجنوبيين أو قبائل فى الجنوب والشمال ضد صالح والحوثى معا، أو يتم التدخل البرى لكن ليس فى شمال اليمن، إنما فى الجنوب ودفاعا عن عدن، فى عمليات جراحية محدودة، كما تقول الرياض. لكن السؤال الذى يثار هنا: ما الذى يضمن عدم تدحرج «المحدودة» تلك إلى «واسعة»؟ وعندها: كم ستكون الكلفة؟ ومن على استعداد ليدفعها إلى النهاية؟ فالحرب، أى حرب، ليست نزهة بأى حال من الأحوال!. *نقلا عن "المصري اليوم"