لسنواتٍ طوالٍ تمّ تقسيم العالم العربي إلى محورين؛ محور الممانعة والمقاومة وتمثله الجمهورية الإسلامية في إيران وأتباعها من الميليشيات المسلحة الإرهابية سنيا وشيعيا، كتنظيم القاعدة والميليشيات العراقية المسلحة وحزب الله اللبناني ونظام بشار الأسد وحركة حماس في غزة، وبالمقابل محور الاعتدال العربي الذي كانت تقوده السعودية ومصر ومعهما دول الخليج وبعض الدول العربية. انخدع كثيرٌ من المثقفين العرب بشعارات المقاومة والممانعة وحجبتهم أوهامهم ورغباتهم عن رؤية الخطر القادم من إيران، وحاولوا تبرير مواقفهم بأن العدو هو إسرائيل وليس إيران، وكأن المنطق يوجب حصر الأعداء في عدوٍ واحدٍ فقط، ومن هنا فقد دعموا حرب حزب الله ومغامرته غير المحسوبة في 2006، وأصر بعضهم على التبرير له بعد اجتياحه لبيروت 2008 وتغاضوا عن مغامرة حركة حماس 2008-2009 وبعد ما كان يعرف زورا بالربيع العربي رحبوا به وظنوا أنه الخلاص النهائي واستمعوا جيدا لخطبة مرشد إيران علي خامنئي بالعربية يرحب فيها بـ«الثورات الحلوة». وقد كشفت الأحداث أن كل تحليلاتهم ومواقفهم لم تكن سوى خطأ كبير في المواقف وخطلٍ في الرؤية، وقد اعترف بعضهم بالخديعة واكتفى البعض الآخر بقلب صفحةٍ والكتابة من جديدٍ دون أي مراجعةٍ لكل الأخطاء السابقة التي يصل بعضها لمستوى التضليل. اليوم وبعد عاصفة الحزم التي أعادت للدول العربية وشعوبها قوتها وأملها والتي تقوم بها قوّات تحالفٍ عربيةٍ بقيادة المملكة العربية السعودية لإنقاذ الشعب اليمني من سيطرة الميليشيات المسلحة الإرهابية الشيعية وفساد الرئيس المحروق علي عبد الله صالح وتنظيم القاعدة الإرهابي السني أسقط في أيدي كثيرٍ من أولئك المثقفين والكتاب، فبعضهم عاد لرشده ونفض يده من المحور الإيراني، وبعضهم استمر في غيّه القديم. من أوضح الأمثلة على هؤلاء الذين ثبت انخراطهم في المشروع الإيراني المعادي للعرب الكاتب الإسلاموي المصري المقرب من جماعة الإخوان المسلمين فهمي هويدي الذي كتب مقالةً سيئةً الأربعاء الماضي تحت عنوان «الوجه الآخر للأزمة» يتهجم فيها على السعودية والتحالف العربي ويمسح على ظهر إيران «عتابا» لا أكثر. يغيظ هويدي وأمثاله أن يكتشفوا أن محور الاعتدال العربي قادرٌ على النجاح والاستمرار فيه وتغيير معادلات القوة في المنطقة وفرض شروطٍ على أي تسوياتٍ دوليةٍ قد تؤثر على مصالح العرب بين مشروعٍ إيراني ومشروعٍ أصولي، لقد غاظهم أن تستطيع السعودية والإمارات ومعهما الكويت استنقاذ الدولة المصرية من اختطاف جماعة الإخوان المسلمين المتحالفة مع إيران لها، ضدا لرغبة حلفاء السعودية الكبار في الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، ثم إنقاذها لمملكة البحرين من المخططات الإيرانية المعادية عبر دخول قوات درع الجزيرة للبحرين، ثم الآن إنقاذ الدولة اليمنية والشعب اليمني. لفهمي هويدي مصلحةٌ شخصيةٌ في تجارة السجاد الإيراني، وإن بشكلٍ غير مباشر. وهو وغيره لم يستوعبوا أن المملكة العربية السعودية ودول الخليج ومصر باتوا يقودون الاستقرار في العالم العربي وأصبحوا هم حملة الراية وقادة الحرب في الدفاع عن العرب. ما لم تستوعبه إيران وأتباعها في المنطقة هو أنها لن تستطيع تحت أي مقياسٍ هزيمة الأكثرية في العالم العربي والعالم الإسلامي التي تقرّ للسعودية بالقيادة والريادة، ومن هنا فإن رهان إيران الاستراتيجي كان يقوم على رعاية الجماعات الإرهابية المسلحة ويقوم على استخدام الطائفية كسلاحٍ سياسيٍ، وهي جنايةٌ على أتباع المذهب الشيعي في المنطقة والعالم، فمائتا مليون لا يمكن أن يقفوا لمليارٍ ومائتي مليون مسلمٍ لا يتبعون هذا المذهب. لقد أصرت السعودية منذ اللحظة الأولى لعاصفة الحزم على البعد السياسي لدعم الشرعية في اليمن وحماية مصالح الشعب اليمني ومصالح السعودية والدول العربية في عمقها الاستراتيجي في اليمن، وهي ترفض علنيا كل محاولات إيران وأتباعها في المنطقة لتوصيف الحرب بأنها طائفيةٌ تستهدف المذهب الزيدي في اليمن، وفقهاء المذهب الزيدي وزعماء قبائله ووجهاؤه يعلمون جيدا أن الحوثي لم يعد زيديا بأي حالٍ من الأحوال بل هو حركة إسلامٍ سياسي مسلحٍ تركت المذهب الزيدي واتجهت للاثني عشرية بنسختها الخمينية الإيرانية. نموذجٌ آخر لأتباع المشروع الإيراني في المنطقة يمثله حسن نصر الله في لبنان الذي خرج مرتبكا وخائفا وهاجم السعودية وعاصفة الحزم وهو يتحدث عن الشعوب العربية التي لا تقف السعودية معها حسب زعمه، ولم ينبس ببنت شفةٍ عن الشعب الإيراني والويلات التي يعاني منها ولم يتحدث عن الشعب السوري الذي يشارك هو وحزبه في قتله يوميا بأشنع أنواع الإرهاب والدموية، وبما أن كل شعاراته المقاومة والممانعة احترقت من لحظة دخوله سوريا فإنه إنما خرج يخاطب أتباعه وعناصره من جهةٍ ويقدم فروض الولاء والطاعة لسادته في طهران. ونموذجٌ ثالثٌ، تمثله حملة الإرجاف الأصولية التي تدعي أن السعودية عاجزة عن حسم المعركة إلا بالتحالف مع جماعات الإسلام السياسي الإرهابية والتي وصلت ببعضهم إلى الدعوة للتحالف مع جماعات الإرهاب الصريحة، وكأن هؤلاء يجهلون مواقف السعودية من الإرهاب. إن السياسة لا الطائفية هي من أبقت الدولة السعودية الحديثة قويةً ومتماسكةً، فالملك عبد العزيز تحدث عن الشيعة كمواطنين لهم كامل حقوق المواطنة. والسياسة لا القومية هي من أبقت السعودية قويةً في زمن الملك فيصل. والسياسة لا التطرف ولا الطائفية هي من أبقت السعودية قويةً تجاه الثورة الخمينية في إيران وتجاه ما جرى في أفغانستان. والسياسة لا البعثية هي من جعلت السعودية تنقذ الكويت من غزو صدام حسين. والسياسة هي من جعلتها تنقذ الدولة المصرية وتنقذ مملكة البحرين وتنقذ اليمن اليوم. فأي حديثٍ عن تطييف المعركة الوطنية والعربية إنما هو دعاية إيرانيةٌ فاشلةٌ. لا خيار أمام التحالف العربي الإقليمي الإسلامي الدولي إلا الانتصار ضد الإرهاب بشقيه السني والشيعي، والفساد في اليمن، واستعادة الدولة اليمنية وحماية مصالح الشعب اليمني، وهي مهمةٌ جليلةٌ وحربٌ مستحقةٌ وعادلةٌ، وقد أحسن المستشار بمكتب وزير الدفاع السعودي أحمد عسيري حين قال: «إن أمن وسلامة اليمن أهم من قيمة وتكلفة العمليات العسكرية المنفذة من قوة التحالف». وبالأرقام نشر موقع «العربية نت» تقريرا يثبت أن السعودية قادرةٌ على الاستمرار في المعركة وتحمل تكاليفها وصولا إلى النصر، فكيف إذا أضيف لذلك قوة وتماسك التحالف الذي تشارك فيه دول الخليج والدول العربية! أخيرا، إن للاعتدال العربي مخالب وصقورا وقوة سياسية واقتصادية وعسكرية تدافع عنه وتحميه. * نقلا عن "الشرق الأوسط"