2015-10-10 

عن المقاربة المغربية للحرب على الإرهاب

خير الله خير الله

ما يميّز المغرب هو تلك الاستمرارية في سياساته التي تقوم على محاربة الإرهاب في الداخل وفي المنطقة المحيطة به. لا يعيش المغرب في عزلة عن الإقليم. على العكس من ذلك، إنّه جزء لا يتجزّأ من كلّ ما يدور فيها على كلّ الصعد وفي مختلف المجالات. لذلك لدى المغرب والملك محمّد السادس طريقة خاصة وطليعية لخوض الحرب على الإرهاب. المنطلق هو الداخل المغربي والعمل في الوقت ذاته على نشر ثقافة التسامح والانفتاح والاعتدال في الجوار الأفريقي والعالم، مع التركيز على أوروبا والعالم الإسلامي...إذا أمكن. ليس صدفة أنّ تشمل الحرب على الإرهاب التي تترافق مع حملات لتشويه صورة الإسلام إنشاء معهد في الرباط لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات في الرباط. افتتح العاهل المغربي المعهد الذي يتسع لألف طالب في الرباط. سيضطلع الجديد وهو «معهد محمّد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات» بدور مهم إلى جانب بقية المؤسسات «في المحافظة على الهوية الإسلامية للمغرب التي تحمل طابع الاعتدال والانفتاح والتسامح». كان محمّد السادس أعطى إشارة الانطلاق لبناء المعهد في الثاني عشر من مايو الماضي. وهذا يعني أن إنجاز المعهد، على مساحة تزيد على ثمانية وعشرين ألف متر مربّع، تمّ بسرعة قياسية. الهدف من إنشاء المعهد، وقبل ذلك الدعوة إلى التصدي للانحراف الديني، واضح كلّ الوضوح وهو «يندرج في إطار تنفيذ استراتيجية مندمجة تروم إلى بثّ قيم الإسلام المعتدل لدى الأجيال الشابة من الأئمة المرشدين والمرشدات، وهي القيم التي سادت المغرب على الدوام، وذلك بهدف تحصين المغرب من نزعات التطرّف المنحرفة التي تنتشر في العالم». لا يكتفي المغرب في تحديد الداء المتمثل في التطرف الديني والانحراف والأئمة غير المهيئين لنشر الإسلام المعتدل والمنفتح. إنّه يصف أيضا الدواء. المعهد الجديد دواء من تلك التي تحتاجها الحرب على الإرهاب، وهو أيضا «تجسيد للدور السامي لإمارة المؤمنين، باعتبارها الضامن لممارسة الشعائر الدينية الإسلامية الحقّة التي تقوم في جوهرها على التسامح والانفتاح وترتكز على العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوّف السنّي». أكثر من ذلك، يشمل الدور المغربي في مجال مكافحة الإرهاب «إرساء شراكة مع البلدان الأفريقية الشقيقة والصديقة، ولا سيّما إثر قرار الملك محمّد السادس، القاضي بالاستجابة للطلبات المتعلّقة بتكوين الأئمة والواعظين المتحدرين من الدول الأفريقية في المغرب». اللافت في الأمر أن المعهد الجديد يستقبل حاليا 447 طالبا أجنبيا يتحدرون من مالي (212 طالبا) وتونس (37 طالبا) وغينيا ـ كوناكري (100 طالب) والكوت ديفوار (75 طالبا) وفرنسا (23 طالبا). تبدو هذه التفاصيل في شأن المعهد الجديد أكثر من ضرورية لمحاولة فهم ما يبذله المغرب من جهود تصبّ في خدمة حماية الإسلام الذي يواجه حربا حقيقية يشنّها عليه المتطرفون الذين يسعون إلى خطف الدين الحنيف وتوظيفه في مشاريع ذات طابع إرهابي ولا شيء غير ذلك. هناك شجاعة مغربية. وهناك شجاعة اردنية ايضا عبّر عنها الملك عبدالله الثاني الذي قال في كلمته الموجهة إلى القمة العربية في شرم الشيخ والتي ألقاها نيابة عنه رئيس الوزراء عبدالله النسور «إنّ الحرب على الإرهاب والتطرّف هي حربنا، وهي حرب نخوضها نحن المسلمين دفاعا عن ديننا وقيمه الإنسانية المثلى ضدّ الجماعات الإرهابية التي لا تمتّ للإسلام بصلة والتي تستهدف أمن شعوبنا ومستقبل هذه الأمّة. من هنا، لابدّ لنا من تبني منهج شمولي لدحر خوارج عصرنا وهزيمتهم، منهج يشمل الجوانب العسكرية والأمنية والاجتماعية والتعليمية والثقافية وغيرها، إضافة إلى وضع السياسات وتوفير الموارد لمحاربة التهميش والفقر والإقصاء وخلق فرص العمل لشبابنا». لابدّ من التوقّف أيضا عند الموقف الجريء الذي لا سابق له للملك سلمان بن عبد العزيز، من خلال عملية «عاصفة الحزم» التي تستهدف وضع حدّ لتمدّد ميليشيا الحوثيين في اليمن، وهي ميليشيا مذهبية تهدّد كلّ منطقة الخليج، كما تهدّد اليمن. فعملية «عاصفة الحزم» تستهدف القضاء على التطرّف بكل أشكاله كون «أنصار الله» و«القاعدة» وجهين لعملة واحدة. هناك صحوة عربية. هناك أفعال تسبق الكلام في غير منطقة عربية. ما نشهده في المغرب أفعال تأتي ترجمة لما يؤمن به ملك يقود كلّ ما له علاقة بالتقدّم في بلاده. كذلك الأمر بالنسبة إلى الأردن حيث يقود عبدالله الثاني الشارع ويسعى إلى جعله يفهم طبيعة التحديات التي تواجه الأردن والمنطقة كلّها. ثمّة تباشير إيجابية أيضا مصدرها تونس حيث بدأت السلطات تعي خطورة ترك الأئمة المتطرفين ينشرون التطرّف. فقد شهدت تونس أخيرا إزاحة شخص يدعى حسين العبيدي، وجد من يفرضه إماما على مسجد جامع الزيتونة المعمور المعروف تاريخيا بالاعتدال والحداثة على كلّ المستويات. أدركت تونس في عهد الباجي قائد السبسي أن لا مجال بعد الآن للحلول الوسط مع أئمة الجوامع الذين يلعبون دورا أساسيا في تعبئة المتطرفين وتشجيعهم على الانضمام إلى «داعش» وما شابهها. اكتشفت تونس أن مواطنيها يشكّلون العدد الأكبر من الأجانب المنضمين إلى «داعش». كان لابدّ من استعادة جامع الزيتونة من التطرف والمتطرفين وذلك عبر التخلص من العبيدي الذي لم تكن «النهضة» بعيدة عن وضعه في هذا الموقع. كان جامع الزيتونة، لعب دورا في بناء تونس العصرية وساهم في نجاح المشروع الحضاري للحبيب بورقيبة الذي في أساسه حقوق المرأة ومساواتها بالرجل. في عهد قريب سبق التخلّص من العبيدي، تحوّل جامع الزيتونة إلى مشجّع للإرهاب والتطرف وحتّى ما سميّ «جهاد النكاح». حان الآن وقت إعادة الساعة التونسية إلى عهد الحضارة والقضاء على كلّ مخلفات عهد «النهضة» التي حولت مقولة «تُقادون إلى الجنّة بالسلاسل» إلى شعار مهين للانسان ومكبّل له وهو «تقادون إلى السلاسل بالجنة». تبدو المنطقة العربية عند منعطف. إنّنا في مرحلة بداية للحرب الجدّية على الإرهاب التي أعلنها أيضا الباجي قائد السبسي بعد الاعتداء الإرهابي على متحف باردو في تونس. وما المسيرة التي شهدتها تونس بحضور رؤساء دول وحكومات من العالم الحرّ سوى تزكية لخيار مصيري بالنسبة إلى العرب خصوصا والمسلمين عموما. إنّه بين أن يكونوا أو ألا يكونوا. الحرب مع الميليشيات المذهبية مثل «أنصار الله» وعلى الأئمة الذين يرعون التطرف جزء من معركة إثبات الوجود. نعم، هناك عرب يحاربون الإرهاب بوسائل مختلفة من أجل الانتصار على التخلّف وإثبات الوجود على خريطة المنطقة. * نقلا عن "الراي" الكويتية

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه