عندما يجيب المسؤولون الإيرانيون عن التساؤلات التي تطرح عليهم بشأن احتمالية نشوب الحرب ينفون وجود نوايا أو رغبة لدى النظام لوقوع هذا السيناريو، ولكن خطابهم السياسي المتغطرس يشير إلى أن الحرب هي أقرب الاحتمالات للحدوث.
مؤخراً استبعد وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف اندلاع حرب بين بلاده والولايات المتحدة رغم تفاقم التوتر وتصاعده بشكل ملحوظ، ولكن رده الذي يمثل دليلاً على أن الحرب قادمة وأن هذا النظام لن يكف عن العبث ونشر الفوضى سوى بعد أن يفيق من غفوته أو يزول إلى الأبد، حيث قال ظريف "طهران لا تريد الحرب كما أنه لا توجد دولة لديها فكرة أو وهم القدرة على مواجهة إيران"، الشق الأخير من كلامه ينطوي على سوء إدراك بالغ وعدم تقدير للأمور، وخداع للذات بلغ منتهاه بأن جعل صاحبه يتصور أنه قد بلغ من القوة لدرجة تجعل مجرد تخيل فكرة خوض الحرب ضد إيران مجرد وهم!
في ذروة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق كان يمكن متابعة مثل هذه الخطابات النارية التي كانت جزءاً أساسياً من الحرب النفسية طيلة سنوات الحرب الباردة بين القوتين العظميين خلال تلك الفترة، ولكن أن يتصور النظام الإيراني أنه قد بلغ من القوة ما يردع الآخرين عن مجرد تخيل إمكانية خوض حرب معه فهذه مسألة مثيرة للشفقة لو كانت حقيقة بالفعل، إذ من الوارد أن رموز النظام يستخدمون مثل هذه الحيل في الشحن المعنوي والتعبئة لمئات الآلاف من الميلشيات التي تم غسل أدمغة أفرادها بحيث يخضعون للأوامر بشكل آلي من دون نقاش.
ظريف يريد أن يحقق الردع في الخطاب السياسي مع الجانب الأمريكي، ولكنه يدرك تماماً أن القدرات العسكرية الحقيقية للنظام الإيراني معروفة تماماً للولايات المتحدة وأجهزتها ومؤسساتها الاستخباراتية، وإذا كانت هذه الحقيقة تغيب عن ذهن الملالي فهذا يعني أنهم لم يدرسوا جيداً تجربة نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين.
إحدى الإشكاليات في فكر النظام الإيراني أنه يبدي اقتناعاً عميقاً بأن الرئيس ترامب لا يريد الحرب وأن من حوله يدفعونها إليها، وهذه الفكرة التي تعشش في عقول الملالي وسكنت مراكز أبحاثهم هي فكرة مبتورة ومنقوصة لسبب بسيط أنها تعتمد على نصف الحقيقة، وتنطلق من تصريحات لا من مواقف وتقديرات رسمية يتم مناقشتها وراء الكواليس، فإذا كان الرئيس ترامب يتحدث علناً بأنه لا يريد الحرب أو ان الاعلام الأمريكي يقوم بتسريب مثل هذه الأقوال ربما لتخدير إيران وتنويمها، فإن من المستحيل تماماً أن يستبعد الرئيس ترامب خيار الحرب وسيناريوهاته من على مائدة النقاش مع فريقه الرئاسي لسبب بسيط أنه احتمال قوي ووارد أكثر من أي فترة ماضية، والأمر هنا لا يعود لرغبة الرئيس ترامب الذي يثق ثقة عمياء في فاعلية آلية العقوبات التي ينفذها بقسوة شديدة، ولكنه يعود إلى طيش الطرف الإيراني وعدم امتلاكه أي فرص للإفلات من قبضة العقوبات سوى من خلال افتعال صراع عسكري مفتوح بات هو الأمل الوحيد تقريباً للحفاظ على فرص نظام الملالي في البقاء على قيد الحياة.
على النظام الإيراني أن يفهم أن هناك فارقاً بين أن يكون الرئيس ترامب لا يريد الحرب، وانه قد يجد نفسه في موقف لا خروج منه سوى بالحرب والانتصار لهيبة الولايات المتحدة التي يضعها في صدارة أولوياته، ومن المفارقة أن نظام الملالي يتعمدون استفزاز الولايات المتحدة اعتماداً على أن الرئيس "لا يريد الحرب"، وهذا قمة الغباء التخطيطي، إذ بإمكانهم التخلي عن الغطرسة والتفاعل سياسياً مع ترامب الذي يمتلك قدرة الصعود والهبوط من قمة الشجرة بايقاع سريع، كونه لا يتمسك بحسابات الساسة التقليديين بل يرى في السياسة فرص كما في الاقتصاد والتجارة، فتجده تارة يستخدم اقسى مستويات الخشونة الخطابية ثم لا يلبث بعدها أن يعرض رقم هاتفه للتواصل في حال الرغبة في الحوار.
هذه الدينامية الأمريكية غير المعتادة تحشر نظام الملالي في زاوية حرجة فهو نظام تقليدي عتيق غير قادر على التحرك وفق إيقاع الرئيس ترامب، ومن ثم فإن سوء فهم عقلية البيت الأبيض يجعل من الحرب السيناريو الأكثر احتمالاً حتى الآن.