لا تزال أنظار العالم متوجهة الآن وبزخم شديد صوب مدينة أوساكا اليابانية، حيث مقر انعقاد القمة الرابعة عشر لمجموعة العشرين، تلك القمة التي تأتي في خضم توترات عالمية لعل أبرزها التصعيد الحاصل بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، فضلًا عن الأزمة الاقتصادية الشائكة بين الولايات المتحدة الأميركية كذلك وبين الصين، جدول أعمال القمة لهذا العام يتضمن قضايا مهمة تتعلق بالتجارة والمناخ وتوفير فرص عمل فضلًا عن تشجيع الابتكار.
ربما تغطي الإخباريات المختلفة الجوانب السياسية باستفاضة كبيرة، لذلك ارتأيت أن نسبح معًا لا ضد التيار، وإنما مع الناس والتاريخ والمنجز الحضاري التي تتمتع به المدينة الحاضنة لقمة العشرين هذا العام، أعني هنا أوساكا، تلك المدينة الخلابة الساحرة التي تقع في الجنوب من جزيرة هونشو أكبر جزر اليابان، تمثل المدينة مع ضواحيها وبقية أجزاء المحافظة ثاني أكبر تجمع حضري في اليابان، بعدد سكان يفوق سبعة عشر مليون نسمة، بينما المدينة ذاتها يصل عدد سكانها إلى نحو ثلاثة ملايين شخص.
تتمتع أوساكا بأجواء أقرب إلى الأحلام حيث زخات المطر تمر بانتظام كل عام لتقاطع أشهر الصيف الحارة خلال شهري يونيو ويوليو، مشكلة ما يشبه الفرصة الرائعة لالتقاط الأنفاس والاستمتاع بأجواء غاية في الاعتدال، وذلك قبل أن يحل الصيف بمنظوره الشرقي أوسطي في شهر أغسطس.
فضلًا عن الأجواء المثالية طوال العام، فمدينة أوساكا مدينة ساحلية يطل الغرب منها على خليج حيوي معروف باسمها، بينما نهر يودو غاوا يجد نفسه فيها أمام نهايته، وذلك حين يتلاقى مساره مع خليج أوساكا والذي يمثل المصب الخاص به، بجوار هذا نجد الاخضرار سمة رئيسة لهذه المدينة، فالغابات والأشجار مخضرة حولك في كل مكان، وذلك راجع في الغالب لمصادر المياه المتنوعة، ما بين النهر سابق الذكر، وكذلك الجداول المتعددة الممتلئة بها هذه المدينة، والتي تتعرج على أرضها مشكلة ما يشبه الجنة، لذلك استعير لها لاحقًا في توصيفات الزوار لقبًا جديدًا يدلل على ذلك ألا وهو "بندقية اليابان".
أوساكا ليست وليدة اليوم، بل يعود إنشائها إلى عام 300 قبل الميلاد، لذلك لا استغراب أن تشاهد فيها عديد من المزارات التاريخية المهمة، لعل أبرزها قلعة أوساكا التاريخية والتي تم تشييدها عام 1583 على يد القائد الياباني الشهير أودا نوبوناغا، وبفعل الحروب والأزمات العسكرية التي مرت بها اليابان تعرضت القلعة لتدمير متكرر، وأعيد تجديدها عام 1931.
تعد مدينة أوساكا واليابان بكاملها رمزًا للإلهام والعودة إلى الحياة بعد اقتراب من الفناء، فالحرب العالمية الثانية لا تزال تخلد مآسى وتدمير كامل لجوانب الحياة بها، إلا أن الشعب الياباني بما يمثله من التزام وبما تمتلئ به ذاته من تحد وعبقرية وتقاليد راسخة، استطاع أن يعود إلى الحياة من أوسع أبوابها، ولعل الرمز لذلك يتضح في عديد من جوانب الحياة بهذه المدينة، فكما تشتمل على التاريخ النابض بالعراقة، تشتمل أوساكا كذلك على حداثة مبهرة من حيث المرافق العامة والمنشآت وطبيعة العيش، فضلًا عن الصناعات المتعددة الموجودة بها من نحو صناعة القطارات ومعالجة الحديد والصلب، فضلًا عن صناعة السفن والسيارات والنشاطات التجارية التي يفتحها عليها خليجها الحيوي.
هناك في أقصى الشرق ابصار العالم وأبصار السعوديون تترقب ما سيحدث في هذه المدينة الحالمة .