تذكرت الرياض الملك فهد بن عبد العزيز في ندوات وعروض وأبحاث تليق بصاحب السيرة التاريخية. وفي التذكّر، عودة إلى الرجل الذي أسس في المرحلة الحديثة ركنين أساسيين من أركان الدولة: التربية والداخلية. وامتد عهده، وليّا ثم ملكا، سنوات طويلة أبحر خلالها بالدولة وبالخليج في أنواء كثيرة. وأدار فهد بن عبد العزيز أصعب الحروب الدولية عندما تجاوز العراق كل رادع، أو علاقة، أو مشاعر، وأقدم على احتلال الكويت. وحرص على أن تكون المواجهة مع المحتل عربية ودولية شاملة، انخرطت فيها مصر وسوريا والقوى العالمية، وجعل من الطائف مقرا للدولة الكويتية، ولكن كحكم مقيم، وليس كحكم في المنفى. في الطائف أيضا، أقام ورعى سلام لبنان بعد حرب طاحنة تجاوزت 15 عاما. وحمل عهده عناوين كثيرة من الازدهار الداخلي والاستقرار العربي. وفي دبلوماسيته العالية، قاد أهم مرحلة سياسية في سبيل فلسطين. وفي محادثاته مع رؤساء أميركا، وضعها شرطا ومدخلا. ومن خلال تفاهم مع مصر وسوريا استطاع أن يحمي إطار القمم العربية من السقوط. وبأرفع المشاعر أشرف على حل سائر الرواسب الحدودية مع الجوار. وتعامل مع مجلس التعاون كأنه جزء داخلي من قضايا المملكة. تذكُّر الملك فهد وسيرته ومسيرته الباهرة في تاريخ المملكة جاء بعد قليل من بداية عهد هو في الحقيقة استمرار لعهده. ليس سرا على أحد أن الملك سلمان كان الشقيق والشريك، وكان الأقرب، وقد ظل إلى جانبه حتى اللحظة الأخيرة. ووفاء سلمان شيء لا يجارى. وقد أمضى عاما كاملا في جناح صغير من غرفتين إلى جانب الراحل الكبير سلطان بن عبد العزيز في أحد مستشفيات نيويورك، لا يفارقه يوما واحدا. وقد نقل يومها أعمال إمارة الرياض إلى المستشفى. ومستشفيات الرياض وجدة تعرف هي أيضا كيف كان يمر بها تقريبا كل يوم، من أجل أن يعود مرضى يشعر أن زيارته قد تخفف عنهم. لم يكن مفاجئا أن يبدأ عهد الملك سلمان بتذكُّر الرجل الذي وصفه بأنه «والدي الثاني».. جميع من يذكر المرحلة يعرف ذلك، لكنه انتظر إلى أن أصبح ملكا لكي يقول ذلك. أراد أن يعطي الوفاء طابعا ملكيا، وأن يسجل للتاريخ أمثولة في احترام مآثر الماضي. الرجال يمضون، لكن مآثرهم مخلَّدة، ولورثتها أن يحافظوا عليها بالاقتداء. حفظ الملك سلمان تراث وإرث الملك المؤسس في عمل منظم وكدود. ولا حدود لطبيعة الوفاء عنده. تكريم ذكرى «الوالد الثاني» لم تفاجئ عارفيه. * نقلا عن "الشرق الأوسط"